عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس
  
              

          ░16▒ (ص) بابُ وَقْتِ / الجُمُعَةِ إذَا زَالَتِ الشَّمْسُ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان أنَّ وقتَ صلاة الجمعة إذا زالتِ الشمسُ مِن كبد السماء.
          وقال بعضهم: جزمَ بهذه المسألةِ معَ وقوع الخلاف فيها؛ لضعفِ دليلِ المخالِفِ عنده.
          قُلْت: لا حاجة إلى القيد بلفظ (عنده) لأنَّ عندَ غيره أيضًا من جماهير العلماء أنَّ وقت الجمعة إذا زالتِ الشمس.
          (ص) وَكَذَلِكَ يُذْكَرُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ.
          (ش) أي: كما ذكرنا أنَّ وقتَ الجمعةِ إذا زالت الشمسُ؛ كذلك رويَ عن هؤلاء الصحابةِ ♥ .
          وهذه أربعةُ تعاليقَ:
          الأَوَّل: عَن عُمَرَ بنِ الخَطَّاب ☺ ، فرواه ابن أبي شَيْبَةَ من طريق سويدِ بن غَفَلةَ: أنَّهُ صلَّى مع أبي بكرٍ وعمرَ ☻ حينَ تزولُ الشمس، وفي حديث السقيفةِ عنِ ابنِ عَبَّاس قال: فلمَّا كان يوم الجمعة وزالتِ الشمسُ؛ خرج عمرُ فجلس على المنبر.
          الثاني: عن عَلِيِّ بنِ أبي طالب، فرواه ابن أبي شَيْبَةَ عن وكيعٍ عن أبي العَنْبَسِ عَمْرِو بن مروانَ عن أبيه قال: كنَّا نُجَمِّعُ مع عليٍّ إذا زالتِ الشمس، وقال ابنُ حزم: روينا عن أبي إسحاقَ قال: شهدت عليَّ بنَ أبي طالب يصلِّي الجمعة إذا زالتِ الشمس.
          الثالث: عنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، فرواه ابن أبي شَيْبَةَ بسندٍ صحيحٍ عن عُبيد الله بن موسى عن سِمَاك قال: كان النعمان يصلِّي بنا الجمعةَ بعدما تزول الشمس انتهى، وكان النعمانُ أميرًا على الكوفة في أَوَّل خلافة يزيدَ بنِ معاويةَ.
          الرابع: عن عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، فرواه ابن أبي شَيْبَةَ أيضًا من طريق الوليد بن العَيْزَارِ قالَ: (ما رأيتُ إمامًا كانَ أحسنَ صلاةً للجمعة مِن عَمْرو بن حُرَيثٍ، فكان يصلِّيها إذا زالتِ الشمس)، إسنادُه صحيح، وكان عَمْرٌو ينوب عن زيادٍ وعن ولده في الكوفة أيضًا.
          فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ اقتصر البُخَاريُّ على هؤلاء الصحابةِ دون غيرهم؟
          قُلْت: قيل: لأنَّه نُقِلَ عنهم خلافُ ذلك، وفي «التوضيح»: لأنَّه رويَ عن أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ ♥ أنَّهم كانوا يصلُّون الجمعةَ قبل الزوال، مِن طريقٍ لا يثبت، قاله ابن بَطَّالٍ، وروى ابن أبي شَيْبَةَ مِن طريق أبي رَزِين قال: كنَّا نصلِّي مع عليٍّ الجمعةَ، فأحيانًا نجد فَيْئًا، وأحيانًا لا نجد، ورويَ أيضًا مِن طريق عبد الله بن سَلِمةَ _بكسر اللَّام_ قال: صلَّى بنا عبد الله _يعني: ابنَ مسعودٍ_ الجمعةَ ضُحًى، وقال: خشيتُ عليكم الحرَّ، ورويَ مِن طريق سعيد بن سُوَيد قال: صلَّى بنا معاويةُ الجمعةَ ضُحًى، ورويَ أيضًا عن غُنْدرٍ، عن شعبةَ، عن سلمة بن كُهَيلٍ، عن مصعب بنِ سعدٍ قال: كان سعدٌ يُقِيلُ بعدَ الجمعةِ.
          قُلْت: الجواب عمَّا رويَ عن عليٍّ ☺ ، فإنَّهُ محمولٌ على المبادرة عند الزوال أو التأخير قليلًا، وأَمَّا الذي رويَ عنِ ابن مسعود؛ ففيه عبدُ الله، وهو صدوقٌ، ولكنَّه تغيَّر لمَّا كَبُرَ، قاله شعبةُ وغيره، وأَمَّا الذي روي عن معاويةَ؛ ففي سنده سعيدٌ، ذكره ابن عَدِيٍّ في «الضعفاء»، وقال البُخَاريُّ: لا يُتابَعُ على حديثه، وأَمَّا الذي رويَ عن سعدٍ؛ فلا يدلُّ على فعلِها قبل الزوال، بل إنَّهُ كان يؤخِّر النَّومَ للقائلة إلى بعدِ الزوالِ؛ لاشتغاله بالتَّهيئة إلى الجمعة؛ مِن الغسل والتنظيف، أو لتبكيره إليها.