عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}
  
              

          ░26▒ (ص) بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَن الرَّحِيمِ: بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[البقرة:146].
          (ش) أي: هذا بَابٌ في بيانِ ما جاءِ مِن ذكرِ قولِ اللهِ تعالى: ({يَعْرِفُونَهُ}) ؛ الآية، وأَوَّل الآية: ({الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ}) ؛ الآيةَ، أخبر الله تعالى أنَّ علماءَ أهلِ الكتاب يعرفون صِحَّةَ ما جاءهم به الرسولُ صلعم كما يعرفُ أحدُهُم ولدَه، والعربُ كانت تضربُ المَثَل في صحَّة الشيء بهذا، قال القرطبيُّ: ويُروى أنَّ عمر ☺ قال لعبد الله بن سلَام: أتعرفُ مُحَمَّدًا كما تعرفُ ابنَكَ؟ قال: نعم؛ وأكثرُ، نزل الأمينُ مِنَ السماءِ بنعتِهِ، فعرفتُهُ، وإنَّنِي لا أدري ما كان مِن أُمِّه، وقيل: يعرفون مُحَمَّدًا كما يعرفون أبناءَهم مِن بين أبناءِ النَّاس، لا يضلُّ أحدٌ ولا يتمارى في معرفةِ ابنِهِ إذا رآه مِن بينِ أبناءِ النَّاسِ كلِّهم، ثُمَّ أخبر اللهُ تعالى أنَّهم مع هذا التحقُّقِ والإيقان العلميِّ ({لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ}) أي: ليكتمون النَّاسَ ما في كتبِهِم مِن صفة النَّبِيِّ صلعم ({وَهُمْ يَعْلَمُونَ}) أي: والحال أنَّهم يعلمون الحقَّ.
          فَإِنْ قُلْتَ: ما وجه دخول هذا الباب المُترجَم في (أبواب علامات النُّبوَّة) المذكورة؟
          قُلْت: مِن جهة أنَّهُ أشار في الحديث إلى حكم التوراة، والنَّبِيُّ صلعم سألهم عمَّا في التوراة في حكم مَن زنى، والحال أنَّهُ لم يقرَأِ التَّوراةَ ولا وقفَ عليها قبلَ ذلك، فظهر الأمرُ كما أشار إليه، وهو أيضًا مِن أعظمِ علامات النُّبوَّة.