عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قصة خزاعة
  
              

          ░9▒ (ص) بَابُ قِصَّةِ خُزَاعَةَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان قصَّة (خُزَاعَةَ) بِضَمِّ الخاء المُعْجَمة، وبالزاي المُخَفَّفَة، وفتح العين المُهْمَلة، قال الرُّشاطيُّ: «خُزَاعةُ» هو عَمْرو بن ربيعةَ، و«ربيعةُ» هذا: هو لُحَيُّ بنُ حارثةَ بن عَمْرٍو مزيقيا بن عامرٍ ماء السماء بن حارثةَ الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبةَ بن مازن بن الأزد، هذا مذهبُ مَن يرى أنَّ خزاعةَ مِنَ اليمن، ومَن يرى أنَّ خزاعةَ مِن مضرَ يقول: هو عَمْرو بن ربيعة بن قمعة، ويحتجُّ بحديث رواه أبو هُرَيْرَة: أنَّ النَّبِيَّ صلعم قال لأكتم بن أبي الجون الخُزَاعِيِّ: «رأيت عَمْرو بن / لُحيِّ بن قمعة بن خُنْدف يجرُّ قُصْبَهُ في النار»، وجمع بعضُهم بينَ القولين؛ أعني نسبةَ خزاعةَ إلى اليمن وإلى مُضَرَ، فزعم أنَّ حارثةَ بنَ عَمْرٍو لمَّا مات قمعة بن خندف كانتِ امرأتُه حاملًا بلُحَيٍّ فولدته وهي عند حارثةَ، فتبنَّاه، فنُسِبَ إليه، فعلى هذا هو مِن مُضَرَ بالولادة، ومِنَ اليمن بالتَّبنِّي، وقال صاحب «المُوعَب»: خزاعةُ اسمه عَمْرو بن لُحيٍّ، ولُحَيٌّ اسمُه ربيعةُ، سُمِّي خزاعةَ؛ لأنَّه انخزع، فلم يتبع عَمْرَو بن عامرٍ حينَ ظعن عَنِ اليمنِ بولده، وسُمِيَ عَمْرٌو: مزيقياء؛ لأنَّه مزَّقَ الأزدَ في البلاد، وقيل: لأنَّه كان يُمزِّق كلَّ يوم حُلَّةً، وفي «التيجان» لابن هشامٍ: انخزعت خزاعةُ في أيَّام ثعلبةَ العنقاءَ بن عَمْرٍو بعدَ وفاةِ عَمْرٍو، في «التلويح»: قيل لهم ذلك؛ لأنَّهم تخزَّعوا مِن بني مازن بن الأزد في إقبالهم معهم أيَّام سيل العَرِم لمَّا صاروا إلى الحجاز، فافترقوا، فصار قومٌ إلى عمان، وآخرون إلى الشَّام، قال حسَّانُ بنُ ثابت ☺ :
فَلَمَّا قَطَعْنَا بَطنَ مَرٍّ تخزَّعت                     خُزَاعةُ مِنَّا في جُمُوعٍ كَرَاكِرِ
          وانخزعت أيضًا بنو أفصى بن حارثةَ بنِ عَمْرٍو، و(أفصى) هو عمُّ عَمْرو بن لُحَيٍّ، وقال الكلبيُّ: إِنَّما سُمُّوا خزاعةَ؛ لأنَّ بني مازن بن الأزد لَّما تفرَّقتِ الأزدُ باليمن؛ نزل بنو مازن على ماءٍ عند زُبَيدٍ يقال له: غسَّانُ، فمَن شَرِب منه؛ فهو غسَّانيٌّ، وأقبل بنو عَمْرو بن لُحَيٍّ فانخزعوا مِن قومهم، فنزلوا مكَّة، ثُمَّ أقبل بنو أسلمَ ومَلِك ومِلكان بنو أفصى بن حارثة فانخزعوا أيضًا، فسُمُّوا خزاعةَ، وتفرَّق سائرُ الأزد، وأَوَّل مَن سمَّاهم هذا الاسمَ: جدع بن سنان الذي يقال فيه: خذ مِن جذع ما أعطاك؛ وذلك أنَّهُ لمَّا رآهم قد تفرَّقوا؛ قال: أيُّها النَّاسُ؛ إن كنتم كلَّما أعجبتكم بلدةٌ أقامت منكم طائفةٌ كيما انخزعت خزاعتكم هذه؛ أوشكتم أن يأكلَكم أقلُّ حَيٍّ وأذلُّ قَبِيلٍ.