عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب مناقب قريش
  
              

          ░2▒ (ص) بابٌ مَنَاقِبُ قُرَيْشٍ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ مناقبِ قريش، والكلامُ فيه على أنواع:
          الأَوَّل: مَن هو الذي تسمَّى بقريش مِن أجداد النَّبِيِّ صلعم ؟
          فقال الزُّبَير: قالوا: قريش اسمُ فِهْر بن مالك، وما لم يلِد فِهْر؛ فليس من قريش، قال الزُّبَير: قال عمِّي: فِهْرٌ هو قريشٌ اسمُه، وفِهْر لقبُه، وعنِ ابنِ شهاب: اسم فِهْر الذي أسْمتْه أمُّه قريش، وإِنَّما نَبَزتْه بهذا؛ كما يُسمَّى الصبيُّ غرارة، وشَملة، وأشباه ذلك، وقال ابن دُرَيد: الفِهْر: الحَجَر الأملس يملأ الكفَّ، وهو مؤنَّث، وقال أبو ذرٍّ الهرويُّ: يذكَّر ويؤنَّث، وقال السُّهيليُّ: الفِهْر مِنَ الحجارة: الطويل، وكُنيةُ فِهْر أبو غالب، وهو جِماع قريش، وقال ابنُ هِشام: النَّضر هو قريشٌ، فمن كان مِن ولده؛ فهو قرشيٌّ، ومَن لم يكن مِن ولده؛ فليس بقرشيٍّ، وهذا قولُ الجمهور؛ لحديث الأشعثِ بن قيسٍ أنَّهُ قال: أتيتُ رسولَ الله صلعم في وفدٍ من كِندة، قال: فقُلْت: يا رسول الله؛ إنا نزعُمُ أنَّكم منَّا، قال: فقال رسول الله صلعم : «نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، لَا نَقْفُو أُمَّنَا، وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا»، قال: فقال الأشعث بن قيس: فوالله لا أسمع أحدًا نفى قريشًا مِنَ النضر بن كِنانة إلَّا جلدتُه الحدَّ، رواه الإمام أحمد وابن ماجه.
          قوله: «لا نقفو أُمَّنَا» مِن قولهم: قفوتُ الرجلَ؛ إذا قذفته صريحًا، وقفوتُ الرجلَ أقفوه قَفْوًا؛ إذا رميتَه باسمٍ قبيح.
          وقيل: قصيٌّ هو قريش، وقال عبد الملك بن مَروان: سمعتُ أنَّ قُصيًّا كان يقال له: قريش، ولم يُسَمَّ أحدٌ قريشًا قبله، والقولانِ الأوَّلانِ حكاهما غيرُ واحد مِن أئِمَّة علم النَّسب؛ كأبي / عُمَر بن عبد البَرِّ، والزُّبَير بن بكَّار، ومصعب، وأبي عُبيدة، والصَّحيح الذي عليه الجمهورُ: هو النَّضر، وقيل: الصحيح: هو فِهْر.
          النوع الثاني: في وجه التسمية بقريش، وفيه خمسة عشر قولًا:
          الأَوَّل: أنَّهُ مِنَ التقرُّش؛ وهو التكسُّب والتجارة، وكانت قريشٌ يتقرَّشون في البياعات، وهذا قاله ابنُ هشام.
          الثاني: ما قاله ابنُ إسحاق: إِنَّما سُمِّيت قريشٌ قريشًا؛ لتجمُّعها مِن تفرُّقها، يقال للتجمُّع: التقرُّش.
          الثالث: ما قاله ابنُ الكلبيِّ: كان النَّضر يُسمَّى قريشًا؛ لأنَّه كان يقرش عن خلَّة الناس وحاجاتِهم، فيسدُّها، وكان بنوه يقرشون أهلَ الموسِم؛ أي: يُفتِّشون عن حاجاتهم، فيرفدونهم بما يُبلِّغُهم إلى بلادهم.
          الرابع: أنَّ لفظ (قريش) تصغير (قرش) ؛ وهو دابَّة في البحر لا تمرُّ بشيء مِنَ الغثِّ والسَّمين إلَّا أكلتْه، قاله ابنُ عَبَّاس، رواه البَيْهَقيُّ.
          الخامس: أنَّهُ جاء النَّضر بن كِنانة في ثوب له مجتمِعًا، قالوا: قد تقرَّش في ثوبه.
          السادس: أنَّهُ جاء إلى قومه، فقالوا: كأنَّه جَمَلٌ قريشٌ؛ أي: شديد.
          السابع: قاله الزُّهْريُّ: أنَّهُ نبزته أمُّه بقريش؛ كما ذكرناه.
          الثامن: قاله الزُّبَير: سُمِّيَ نَضرٌ قريشًا برجلٍ يُقال له: قريشُ بن بدر بن يخلُد بن النَّضر، كان دليلَ بني كِنانة في تجاراتِهم.
          التاسع: ما قيل: إنَّ قصيًّا قرشها؛ أي: جمعها، فسُمِّيَ قريشًا ومجمِّعًا أيضًا.
          العاشر: سُمِّيت قريش بذلك؛ لتجمُّعهم في الحرم.
          الحادي عشر: مِن تقرَّش الرجل؛ إذا تنزَّه عن مَدَانِس الأمور.
          الثاني عشر: مِن تقارَشَتِ الرِّماح؛ إذا تداخلتْ في الحرب.
          الثالث عشر: مِن أقرش به؛ إذا سعى به، ووقع فيه.
          الرابع عشر: مِن أقرشتِ الشَّجَّة؛ إذا صدعت العَظْمَ ولم تهشمه.
          الخامس عشر: مِن تقرَّش فلان الشيء؛ إذ أخذه أوَّلًا فأوَّلًا.
          النوع الثالث: فيما جاء فيهم:
          فرُوِيَ عن سعد بن أبي وَقَّاص ☺ عن النَّبِيِّ صلعم أنَّهُ قال: «من يريد هوانَ قريش؛ أهانه الله»، وعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلعم : «إنَّ الله اصطفى كِنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قُريشًا من كِنانة، واصطفى هاشِمًا من قريش، واصطفاني مِن بني هاشم»، رواه مسلمٌ، وكانت لقريش في الجاهلية مكارمُ؛ منها: السِّقاية، والعِمارة، [والرِّفادة، والعقاب، والحِجابة، والنَّدوة، واللِّواء، والمشورة، والأَشْنَاق، والقُبَّة، والأعِنَّة]، والسِّفارة، والأيسار، والحكومة، والأموال المحجَّرة، وكانوا يُسمَّون آلَ الله، وجيرانَ الله، والنِّسبة إلى قريش: قُرشيٌّ، وعنِ الخليل: قُريشيٌّ؛ أيضًا، فإن أردتَ بقريش الحيَّ؛ صرفتَه، وإن أردتَ به القبيلة؛ لم تصرفه.