عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ما جاء في أسماء النبي
  
              

          ░17▒ (ص) بَابُ مَا جَاءَ فِي أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صلعم .
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ ما جاء مِن أسماءِ النَّبِيِّ صلعم ، وفي بعض النُّسَخ: <في أسماء رسول الله صلعم >.
          (ص) وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}[الفتح:29] وَقَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}[الصف:6].
          (ش) (وَقَوْلِ اللهِ) بالجرِّ، عطفٌ على قوله: (ما جاء).
          وقوله: (وَقَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}) [الصف:6]) بالجرِّ أيضًا، عطفٌ على (قولِ اللهِ تَعَالى)، وكأنَّه أشار بما ذكر مِن بعضِ الآيتين إلى أنَّ أشهرَ أسماء النَّبِيِّ صلعم مُحَمَّدٌ وأحمدُ، فـ{مُحَمَّدٌ} مِن باب (التَّفعيل) ؛ للمبالغة، و{أَحْمَدُ} مِن باب التَّفضيل، وقيل: معناهما: إذا حمدني أحدٌ؛ فأنت أَحمَدُ، وإذا حَمِدْتُ أحدًا؛ فأنتَ مُحَمَّدٌ، وقال عياضٌ: كان رسولُ الله صلعم أحمدَ قبلَ أن يكونَ مُحَمَّدًا؛ كما وقع في الوجود؛ لأنَّ تَسميةَ أحمدَ وقعت في الكُتُبِ السَّالفةِ، وتسميتُهُ مُحَمَّدًا وقعت في القرآنِ العظيمِ؛ وذلك أنَّهُ حمد ربَّه قبل أن يحمُدَهُ النَّاسُ، وكذلك في الآخرة يحمَدُ ربَّه فيُشِفِّعُهُ، فيحمُده النَّاسُ، وقد خُصَّ بـ(سورة الحمد)، [ولواءِ الحمدِ، وبالمقامِ المحمودِ، وشُرِعَ له الحمدُ بعدَ الأكل وبعد الشُّربِ، وبعدَ الدُّعاءِ، وبعدَ القدوم] مِنَ السَّفر، وسُمِّيت أمَّتُهُ الحمَّادِينَ، فجُمِعَت له معاني الحمدِ وأنواعُه، وقيل: اسمُه في السَّماوات أحمدُ، وفي الأَرَضِين محمودٌ، وفي الدُّنيا مُحَمَّدٌ، وقيل: الأنبياء كلُّهم حمَّادون لله تعالى، ونبيُّنا أحمدُ؛ أي: أكثر حمدًا للهِ مِنهم، وقيل: الأنبياء كلُّهم محمودون ونبيُّنا أحمدُ؛ أي: أكثرُ مناقبًا، وأجمعُ للفضائل.
          قوله: ({مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ}) {مُحَمَّدٌ} إمَّا خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ؛ أي: هو مُحَمَّدٌ؛ لتقدُّم قوله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ}[الفتح:28]، وإمَّا مُبتَدَأٌ، و({رَسُولُ اللهِ}) عطفُ بيانٍ، و({الَّذِينَ مَعَهُ}) أي: أصحابه، عطفٌ على المبتدأ، وقوله: ({أَشِدَّاءُ}) خبرٌ عَنِ الجميع، ويجوز أن يكون استئنافًا: {مُحَمَّدٌ} مبتدَأٌ، و{رَسُولُ اللهِ} خبرُه، وَ{الَّذِينَ مَعَهُ} مبتدأٌ {أَشِدَّاءُ} خبرُه، ويجوز أن يكون: {وَالَّذِينَ مَعَهُ} في محلِّ الجرِّ عطفًا على قوله: {بِاللهِ} في قوله: {وَكَفَى بِاللهِ}[الفتح:28]، والجمهور: / على أنَّ المرادَ مِن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ مَعَهُ}: الصحابة، وقيل: هم الأنبياء أجمعون، فيكون التقديرُ: محمَّدٌ رسولُ الله والذين مَعَهُ رسلُ الله؛ فيحسن الوقف على {معه}.
          قوله: ({أَشِدَّاءُ}) جمع (شَدِيدٍ)، ومعناه: يغلظون على الكفَّار وعَلَى مَن خالفَ دينَهُم وإن كانوا آباءَهم أو أبناءَهم.
          قوله: ({مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ})، وقبله: ({وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}) [الصف:6]، وعن كعبٍ: أنَّ الحواريِّين قالوا لعيسى ◙ : يا روحَ اللهِ؛ فهل بعدَنا مِن أمَّةٍ؟ قال: نعم؛ أمَّةُ أحمدَ، حكماءُ علماءُ أبرارٌ أتقياءُ.