عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب من لم يخمس الأسلاب
  
              

          ░18▒ (ص) بابُ مَنْ لَمْ يُخَمِّسِ الأَسْلَابَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ يذكَر فيه: مَن لم يرَ بتخميس الأسلاب، وأشار بهذا إلى خلافٍ فيه؛ فقال الشَّافِعِيُّ: كلُّ شيءٍ مِنَ الغنيمة يُخمَّس إلَّا السَّلَب فَإِنَّهُ لا يُخمَّس، وبه قال أحمد وابن جريرٍ وجماعةٌ مِن أهل الحديث، وعن مالكٍ: أنَّ الإمام مخيَّرٌ فيه؛ إن شاء خمَّسه، وإن شاء لم يخمِّسه، واختاره القاضي إسماعيل بن إسحاق، وفيه قولٌ ثالثٌ: إنها تُخمَّس إذا كثرت، وهو مرويٌّ عن عُمَر بن الخَطَّاب ☺ ، وبه قال إسحاق بن راهُوْيَه، وقال الثَّوْريُّ ومكحولٌ والأوزاعيُّ: يُخمَّس، وهو قولٌ عن مالكٍ، وروايةٌ عن ابن عَبَّاسٍ، وقال الزُّهْريُّ عن القاسم بن مُحَمَّدٍ عن ابن عَبَّاسٍ: السَّلَب مِنَ النفل، والنفل يُخَمَّس، وقال ابن قُدَامة: السلب للقاتل إذا قتل في كلِّ حالٍ إلا أن ينهزم العدوُّ، وبه قال الشَّافِعِيُّ وأبو ثورٍ وداود وابن المنذر، وقال مسروقٌ: إذا التقى الزحفان فلا سلَبَ له، إِنَّما هو النفل قبله وبعده، ونحوه قولُ نافعٍ، وقال الأوزاعيُّ وسعيد بن عبد العزيز وأبو بَكْر بن أبي مريم: السلب للقاتل ما لم تمتدَّ الصفوفُ بعضها إلى بعضٍ، فإذا كان كذلك فلا سلبَ لأحدٍ.
          وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومُحَمَّدٌ: / السَّلب مِن غنيمة الجيش، حكمُه حكمُ سائر الغنيمة إلا أن يقول الإمام: مَن قتل قتيلًا فله سلبُه، فحينئذٍ يكون له، وقال ابن قُدَامة: وبه قال مالكٌ، وقال: قال أحمد: لا يعجبني أن يأخذَ السلبَ إلَّا بإذن الإمام، وهو قول الأوزاعيِّ، وقال ابن المنذر والشَّافِعِيُّ: له أخذُه بغير إذنِه.
          قوله: (الأَسْلَاب) جمع (سَلَب) بفتحتين، على وزن (فَعَل) بمعنى (مفعول) أي: مسلوب، وهو ما يأخذه أحدُ القِرنَين في الحرب مِن قرنه مِمَّا يكون عليه ومعه مِن سلاحٍ وثيابٍ ودابَّةٍ وغيرها، وعن أحمد: لا تدخل الدابَّة، وعن الشَّافِعِيِّ: يختصُّ بأداة الحرب.
          (ص) وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فلَهُ سَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ أنْ يُخَمِّسَ، وحُكِمَ الإمامُ فيهِ.
          (ش) قوله: (وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فلَهُ سَلَبُهُ) هذا المقدار أخرجه الطَّحَاويُّ وقال: حَدَّثَنَا أبو بَكْرة وابن مرزوقٍ قالا: حَدَّثَنَا أبو داود عن حمَّاد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنسٍ: أنَّ رسول الله صلعم قال يوم حُنَين: «مَن قتلَ قتيلًا فله سلبُه» فقتَل أبو طلحة يومئذٍ عشرين رجلًا فأخذ أسلابَهم، و(أبو بَكْرة) بكَّار القاضي، و(أبو داود) سليمان بن داود الطَّيَالِسِيُّ، وأخرجه أبو داود أيضًا في «سننه» ولكن لفظه: «مَن قتل كافرًا فله سلبُه».
          قوله: (قَتِيلًا) يعني: شارفًا للقتل؛ لأنَّ قتل القتيل لا يُتصوَّر.
          قوله: (مِنْ غَيْرِ أنْ يُخَمِّسَ) ليس مِن لفظ الحديث، وأراد به أنَّ السلبَ لا يُخمَّس، ويروى: <مِن غير خُمُسٍ> بضمَّتين، و<خُمْس> بسكون الميم.
          قوله: (وَحُكم الإِمَام فِيهِ) عطفٌ على قوله: (مَنْ لم يُخَمِّس) فافهم.