عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ما جاء في بيوت أزواج النبي وما نسب من البيوت إليهن
  
              

          ░4▒ (ص) بَابُ مَا جَاءَ فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلعم وَمَا نُسِبَ مِنَ الْبُيُوتِ إِلَيْهِنَّ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان ما جاء مِنَ الأخبار في بيوت زوجات النَّبِيِّ صلعم ، وفي بيان ما نُسِبَ مِنَ البيوت إليهنَّ.
          (ص) وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَقِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}[الأحزاب:33] و{لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلَّا أنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ}[الأحزاب:53].
          (ش) (وَقَولِ اللهِ) بالجرِّ عطفًا على قوله: (في بيوت أزواج النَّبِيِّ صلعم ) والتقدير: وما جاء في قول الله تعالى، وذكر بعضَ شيءٍ مِن آيتين مِنَ القرآن مطابقًا لما في الترجمة:
          الآية الأولى: هي قوله ╡ : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ}...الآية[الأحزاب:33] قرأ نافعٌ وعاصمٌ: {قَرْنَ} بفتح القاف، والباقون بكسرها، فالفتح أصله: (قَرَرْنَ) فحُذِفَت الراء الأولى وأُلْقِيَت فتحتُها على ما قبلها، فصار {قَرَْن} على وزن (فَلْنَ)، وقيل: منِ قَارَ يَقَارُ؛ إذا اجتمع، فعلى هذا أصله: (قَوَرْنَ) قُلِبَت الواو ألفًا؛ لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، فصار (قَارْنَ) فالتقى ساكنان، فحُذِفَت الألف، فصار {قَرْنَ}، ووجه كسر القاف هو أنَّهُ مِن وَقَر يَقِرُ وقارًا، والأمر منه: قِرْ قرَا قرُوا، قِرِي قِرَا قِرْنَ، وأصله: (اِوْقِرْنَ) فحُذِفَت الواو لوقوعها بين الكسرتين، واستُغْنِيَت عن الهمزة فحُذِفَت فصار {قِرْنَ} على وزن (عِلْنَ)، وقيل: مِن قَرَّ يَقِرُّ، وأصله على هذا (اِقْرِرْنَ) نُقِلَت حركة الراء إلى القاف ثُمَّ حُذِفَت، واستُغْنِيَت عن الهمزة فحُذِفَت، فصار {قِرْنَ} والمعنى على الوجهين: لا تخرُجْنَ مِن بُيُوتِكنَّ، {وَلَا تَبَرَّجْنَ} مِنَ التبرُّج، قال قتادة: هو التبختُر والتكسُّر والتغنُّج، وقيل: هو إظهار الزينة وإبراز المحاسِن للرِّجال.
          قوله: {تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} قال الشَّافِعِيُّ: هي ما بين مُحَمَّدٍ وعيسى ╨، وقال أبو العالية: ما بين داود وسليمان، وقال الكلبيُّ: الجاهليَّة الأولى هي الزمان التي وُلِد إبراهيم ◙ ، وكانت المرأة مِن أهل ذلك الزمان تتَّخذ الدرع مِنَ اللؤلؤ فتَلْبَسه ثُمَّ تمشي وسط الطريق ليس عليها شيءٌ غيرُه، وتعرض نفسها على الرجال، فكان ذلك في زمن نمرود والناسُ حينئذٍ كلُّهم كفَّارٌ.
          الآية الثانية: هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}...الآية[الأحزاب:53] وفيها قضيَّة الحجاب، المعنى: لا تدخلوا بيوت النَّبِيِّ إلَّا وقت الإذن، ولا تدخلوها إلَّا غير ناظرين إناه؛ أي: غير منتظرين وقتَ إدراكه ونضجه، قال ابن عَبَّاسٍ: نزلت في ناسٍ يتحيَّنون طعام النَّبِيِّ صلعم فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يُدرِك، ثُمَّ يأكلون ولا يخرجون، وكان النَّبِيُّ صلعم يتأذَّى مِن ذلك، فنزلت: {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ}...الآية[الأحزاب:53].