الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قول الله تعالى {أن يصالحا بينهما صلحًا والصلح خير}

          ░4▒ (باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى) أي: في سورةِ النِّساءِ ({أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128]) بفتح همزة ((أن)) وسكون النون، وهي ناصبةٌ لـ{يصَّالَحا} بحذف النون، والمصدَرُ المنسَبكُ من ذلك مجرورٌ بنحوِ: في مقدَّرةٍ متعلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ لا النافيةِ للجِنسِ في قولِه تعالى قبلَه: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} وهذه الجملةُ المقرونةُ بالفاءِ جوابُ {إِنْ} في قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} [النساء:128].
          وأصلُ {يصَّالَحا}: يتصالَحا، فقُلبتِ التاءُ صاداً، وأُدغمتِ الصادُ في الصاد.
          قال البَيضاويُّ: وقرأ الكوفيون: ▬أن يُصلِحا↨ من: أَصلَحَ بينَ المتنازعَينِ، وعلى هذا جازَ أن يُنصَبَ {صُلحْاً} على المفعولِ به، و{بَيْنَهُمَا} ظرفٌ، أو حالٌ منه، أو على المصدرِ كما في القراءة الأولى، والمفعولُ ((بينهما)) أو هو محذوفٌ، وقُرئ: ▬يصَّلِحا↨ من: اصَّلح؛ بمعنى: اصطَلَحَ، انتهى.
          وأقول: ▬يصَّلِحا↨ بتشديد الصاد وكسر اللام، نظيرُ ما مرَّ في هذه القراءةِ من غير ألفٍ قبلَها، وهي قراءةُ الجَحْدَريِّ كما قال ابنُ الملقِّن، وأصلُها: يصتَلِحا، فقُلبتِ التاءُ طاءً، ثم أُبدلتِ الطاءُ صاداً، وأُدغِمَ.
          وجملةُ: {والصُّلحُ خيرٌ} حاليةٌ، أو مستأنَفةٌ.
          قال في ((المصابيح)): والألف واللام في (({الصُّلحِ})) جعلَها العلماءُ لاستِغراقِ الجنس، واستدلُّوا به على خيريَّةِ كلِّ صُلحٍ لم يُحلِّلْ حَراماً ولا حرَّمَ حلالاً، ولم يجعلوها للعَهْدِ الذِّكريِّ مع ظهورِهِ، وقد نقضَ به ابنُ هشامٍ قولَ النُّحاةِ إذا أُعيدَتِ النَّكِرةُ معرفةً كانت عينَ الأولى، لكن أجاب بعضُ الأئمةِ بأنَّ ذلك أكثريٌّ لا كليٌّ، انتهى.
          وقال البَيضاويّ: أي: خيرٌ من الفُرقةِ وسوءِ العِشْرةِ، أو من الخصومةِ، ويجوزُ أن لا يُرادَ به التفضيلُ، بل بيانُ أنه من الخيورِ، كما أنَّ الخصُومةَ من الشُّرور، وهو اعتِراضٌ.
          وكذا قوله: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} قال: ولذلك اغتُفرَ عدمُ تجانُسِهما، والأولُ للترغيبِ في المصَالحة، والثاني لتمهيدِ العُذرِ في المماكَسةِ، قال: ومعنى إحضَارِ الأنفُسِ الشُّحِّ: جَعلُها حاضرةً له، مطبوعةً عليه، فلا تكادُ المرأةُ تسمَحُ بالإعراض عنها، والتقصيرِ في حقِّها، ولا الرجلُ يسمَحْ بأنْ يُمسِكَها ويقومَ بحقِّها على ما ينبغي إذا كَرِهَها أو أحبَّ غيرَها، انتهى.