الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها

          ░10▒ (باب هَلْ يَأْخُذُ) أي: الشَّخصُّ (اللُّقَطَةَ وَلاَ يَدَعُهَا) أي: ولا يتركها (تَضِيعُ) بكسر الضاد؛ أي: على مالكها بتركِ أخذهِ لها، ولذا قال: (حَتَّى لاَ يَأْخُذَهَا مَنْ لاَ يَسْتَحِقُّ) قال في ((الفتح)): كذا للأكثرِ، وسقطَتْ: ((لا)) بعد ((حتى)) عند ابنِ شَبُّويه، قال: وأظنُّ الواو سقطَتْ من قبل حتى، والمعنى: لا يدعُها فتضيعُ ولا يدعُها يأخذُها من لا يستحقُّ، انتهى.
          واعترضَهُ العينيُّ فقال: لا يحتاجُ إلى تقديرِ الواو؛ لأنَّ المعنى صَحيحٌ بدونها، قال: والتَّقديرُ لا يتركُها ضائعةً ينتهِي إلى أخذِها مَن لا يستحِقُّ، و((هل)) هنا بمعنى: قد التي للتَّحقيقِ لا للاستفهامِ، ولهذا لا تحتاجُ إلى جوابٍ، انتهى.
          فـ((حتى)) غايةٌ للضَّياعِ على إسقاطِ ((لا))، والمعنى على سُقوطِها أوضحُ، كما قال شيخُ الإسلامِ، ويحتملُ أن تكونَ عليه غاية ليدعها، ويصحُّ أن تكون ((حتى)) بمعنى: كي التعليليَّة ويجري الوجهان على إثباتِ لا، وتقديرُ الواو على إسقَاطِ لا أظهرُ في المعنى، أو إشارةً إلى توجيهٍ آخر فعطفَ: ((يأخذها)) على ((تضيع)) عطفُ تفسيرٍ أو أعم.
          فلذا قدَّرهُ في ((الفتح)) وإن كانَ الأصلُ عدم التَّقديرِ، لا لأنَّه يحتاجُ إليه حتى يردَّ اعتراض العينيِّ عليه، وكون ((هل)) بمعنى: قد خلاف المتبادرِ هاهنا من تردُّدهِ ظاهراً في أخذِ اللُّقطة؛ لأنَّ فيه تفصيلاً من أنَّه إن وثقَ من نفسِه بالأمانةِ فيأخذُها لئلا يأخذها من لا يستَحقُّ وإلَّا فيكرهُ له أخذها أو يحرم.
          ولذا قال شيخُ الإسلامِ كغيرهِ: وأشارَ بهذه التَّرجمةِ إلى الرَّدِّ على من كرهَ أخذَ اللُّقَطةِ مطلقاً مستدلًّا بخبر النَّسائي بإسنادٍ صَحيحٍ من حديثِ الجارودِ مرفوعاً: ((ضالَّة المسلمِ حرقُ النَّار)) أي: ضالَّةُ المسلمِ إذا أخذَها إنسانٌ ليتملكها أدَّته إلى حرقِ النارِ.
          قال: ومذهبُ الشَّافعيِّ ندبُ أخذِها لأمينٍ وثقَ من نفسِهِ وكراهتهِ لفاسقٍ لئلَّا تدعوهُ نفسهُ إلى الخيانةِ، وحملُ خبرِ النَّسائيِّ على مَن لا يعرفها لخبرِ مسلمٍ من حديثِ زيد بنِ خالدٍ: ((مَن آوى الضَّالَّة فهو ضَالٌّ ما لم يعرِفْها)) والحاصِلُ أنَّ الرَّاجحَ من مذاهبِ العلماءِ أنَّ ذلك يختلفُ باختلافِ الأشخاصِ والأحوالِ.
          تنبيه: وقعَ في بعضِ الأصُول لفظَ الترجمةِ هكذا: <باب هل يأخذُ اللُّقطةَ ولا يدعُها حتى تضيعَ ويأخذُها من لا يستحِقُّ> انتهى وهي ظاهرةٌ، وعليهَا شرَحَ ابنُ بطَّال.