الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: كيف تعرف لقطة أهل مكة؟

          ░7▒ (باب كَيْفَ تُعَرَّفُ) بالفوقية وتشديد الراء مبنيًّا للمفعول (لُقَطَةُ أَهْلِ مَكَّةَ).
          قال في ((الفتح)): كأنَّه أشارَ بذلك إلى إثباتِ لقطةِ الحرمِ ولذلك قصَّر الترجمةَ على الكيفيَّةِ قال: ولعلَّه أشارَ إلى ضعْفِ الحديثِ الواردِ في النَّهي عن لقطةِ الحاجِّ، أو إلى تأويلهِ بأنَّ المرادَ النَّهيُ عن التقَاطِها للتملُّكِ لا للحفظِ، والحديثُ صحَّحه مسلمٌ من روايةِ عبد الرَّحمنِ بن عثمان التَّيميِّ، انتهى.
          ولفظهُ عن عبدِ الرحمنِ المذكورِ أنَّ رسولَ الله صلعم نهى عن لُقطَةِ الحاجِّ.
          تنبيه: المرادُ بأهلِ مكَّة كمَا قاله / شيخُ الإسلامِ من كانَ بها، قال: ولا يخفَى أنَّ تعريفَ مَن هو بها لا يخالِفُ تعريفَ غيرِهِم، وإنَّما المرادَ: كيف تلتقطُ لقطَةَ من هو بها إذ لقطتهم لا تكون إلا للحفظِ كما يدلُّ له أحاديث الباب، ولقطةُ غيرهم تكونُ للحفظِ والتَّملُّك فلو قال: كيف تلتقِطُ لقطةَ من بمكَّة لكانَ أولى، انتهى.
          (وَقَالَ طَاوُسٌ) هو اليمانيُّ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم أَنَّهُ قَالَ: لاَ يَلْتَقِطُ) بالبناء للفاعل (لُقَطَتَهَا) أي: مكَّة (إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا) بفتح الراء مشدَّدة من التَّعريف، فـ((عرفها)) فعل ماضٍ صلة أو صفة ((من)) الَّتي هي فاعلُ ((يلتقط))؛ أي: لا يجوزُ لأحدٍ أن يلتقطَ لقطةَ مكَّة إلا من يأخذها لحفظِهَا لا لتملُّكِها، وقد وصلَ المصنِّفُ هذا التَّعليقَ في بابِ: لا يحلُّ القتالُ بمكَّةَ من كتابِ الحجِّ.
          تنبيه: مثل مكَّة بقيَّة الحرم المكيِّ فلا تحلُّ لقطتُه إلَّا للحفظِ، قال ابنُ حجرٍ المكِّي في ((التحفة)) للخبرِ الصَّحيحِ: ((لا تحلُّ لقطتُهُ إلَّا لمنشدٍ)) أي: لمعرِّفٍ على الدَّوامِ وإلا فسائرُ البلادِ كذلك فلا يظهرُ فائدةُ التَّخصيصِ، قال: وادِّعاء أنَّها دفعُ إيهامٍ الاكتفاءً بتعريفِها في الموسمِ يمنعه أنَّه لو كان هو المرادُ لبيَّنه، وإلَّا فإيهامُ ما قلناهُ المتبادر منه أشدُّ، ولأنَّ الناس يكثرُ تكرُّرُ عودهم إليه فربَّما عادَ مالكُها أو نائبُه فغلَّظ على أخذِها بتعيُّنِ حفظها عليه كما غلَّظ على القاتلِ فيه خطأ بتغليظِ الدِّية عليه مع عدمِ إساءتهِ وخرجَ بالحرمِ الحلُّ، ولو عرَّفه كما صحَّحه في الانتصارِ؛ لأنَّ ذلك من خصائصِ الحرمِ.
          وفي وجهٍ لا فرقَ، وانتصرَ له بخبرِ مسلمٍ: ((نهَى عن لقطَةِ الحاجِّ))؛ أي: مجمع جميعهم لئلا يدخلَ فيه كلُّ فرقةٍ منهم وبالمكِّي حرمُ المدينةِ، واختارَ البُلقيني استواءهمَا، انتهى.
          (وَقَالَ خَالِدٌ) أي: الحذَّاء ممَّا وصلَه المصنِّفُ في باب: ما قيلَ في الصوَّاغِ، من أوائل البُيُوع (عَنْ عِكْرِمَةَ) أي: مولى ابن عبَّاسٍ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم) أنَّه (قَالَ: لاَ تُلْتَقَطُ) بفوقيَّة أوله مبنيٌّ للمفعولِ (لُقَطَتُهَا) أي: مكَّة برفعِ ((لقطتها)) نائبُ فاعلِ: ((تلتقطُ)) (إِلاَّ لِمُعَرِّفٍ) بلام الجرِّ ولأبوي ذرٍّ والوقتِ: <لا يلتقطُ> بفتح التَّحتية أوَّله وكسر القاف، ((لقطتُها)) مفعوله مقدَّمٌ على فاعلهِ في قوله: ((إلَّا معرف)) بحذفِ لام الجرِّ.
          ومطابقةُ الحديثِ للتَّرجمة في هذين المعلَّقَين، وفي الموصُولين بعدهما في قوله: ((لا يلتقطُ لقطتَهَا إلَّا من عرَّفَها)) و((معرِّفٍ ومنشدٍ)) فإنَّ المرادَ إلَّا من عرفَ لقطةَ مكَّة دائماً، وهو المرادُ من الترجمةِ.
          وقال في ((الفتح)): ليسَ في سياقِ المؤلِّفِ من حديثي ابن عبَّاسٍ وأبي هريرةَ كيفيَّة التَّعريفِ الَّتي ترجم لها، وكأنَّه أشارَ إلى أنَّ ذلك لا يختلفُ، انتهى.
          يعني: وإن كانت لقطة مكَّة كغيرها في التَّعريف، لكنَّها لا تلتقطُ إلَّا للحفظ ويجبُ تعريفها دائماً، ولذا قال النَّووي في ((الروضة)) قال أصحابُنا: ويلزمُ الملتقطُ بها الإقامة للتَّعريفِ أو دفعَها إلى الحاكمِ، وإنما اختصَّت مكَّةُ بما ذكرَ / لإمكانِ إيصَالها إلى مالكِهَا؛ لأنَّها إن كانَتْ لمكِّيٍّ فظاهرٌ، أو لآفَاقيٍّ فلا تخلو غالباً مِن واردٍ إليها فإذا عرَّفها واجدها في كلِّ عامٍ سهل التَّوصُّل إلى معرفةِ مالكِهَا.