الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا وجد خشبة في البحر أو سوطًا أو نحوه

          ░5▒ (باب إِذَا وَجَدَ) أي: الواجدُ المدلولُ عليه بالفعلِ (خَشَبَةً فِي الْبَحْرِ أَوْ سَوْطاً أَو نَحْوَهُ) أي: أو نحو السَّوط كحبلٍ وكعصَى، أو المرادُ أو نحو ما ذكرَ من الخشبةِ والسَّوطِ، وجوابُ ((إذا)) الشَّرطيَّة محذوفٌ؛ أي: ماذا يصنعُ؟ هل يأخذُه أو يتركُه؟ وإذا أخذَهُ هل يتملَّكُه حالاً أو يكون سبيلُه سبيلَ اللُّقَطةِ؟ وفي ذلك خلافٌ للعلماءِ.
          والأصحُّ عند الشافعيَّة كما في ((الفتح)) أنَّه لا فرقَ في اللُّقَطةِ بين القليلِ والكثيرِ ممَّا له قيمةٌ في التَّعريفِ وغيرِهِ، وفي وجهٍ لا يجبُ التَّعريفُ أصلاً وقيلَ: يعرِّف مرَّةً، وقيل: ثلاثةَ أيامٍ، وقيل: زمناً يظنُّ أنَّ فاقدَهُ أعرضَ عنه.
          وعندَ الحنفيَّةِ: كلُّ شيءٍ يعلمُ أن صاحبَه لا يطلبُه كالنَّواةِ جازَ أخذُهُ والانتفاعُ به من غيرِ تعريفٍ، لكنه يبقَى على ملكِ صاحبِهِ.
          وعندَ المالكيَّة كذلك: إلَّا أنَّه لا يبقَى على ملكِ صاحبهِ.
          وقال ابنُ الملقِّن والعينيُّ أخذاً من ابنِ بطَّال: واختلفَ العلماءُ فيما يُفعَل باللُّقَطةِ اليسيرةِ على أقوالٍ رخَّصَتْ طائفةٌ في أخذِهَا والانتفَاعِ بها من غيرِ تعريفِهَا، وممَّن رويَ عنه ذلك عمرُ وعليٌّ وابنُ عُمر وعائشةُ، وهو قول عطاءٍ والنَّخعيِّ وطاوس، قال ابنُ المنذرِ: روِّينا عن عائشةَ: لا بأسَ بدونِ الدِّرهم، وعن جابرٍ: كانوا يرخِّصون في السَّوطِ والحبلِ / ونحوهما، وقال عطاءٌ: لا بأسَ للمسَافرِ إذا وجدَ السَّوطَ والسِّقاءَ والنَّعلين أن يستمتعَ بها.
          وحديثُ الباب حُجَّة لهذا؛ لأنَّه عليه السَّلام أخبرَ أن الرَّجلَ أخذَها حطبًا لأهلهِ لا ليعرفهَا ولم يذكرْ أنَّه فعلَ ما لا ينبغِي.
          وروى ابنُ عبدِ الحكمِ عن مالكٍ: إذا ألقَى البحرُ خشبَةً فتركُها أفضَلُ، وقال المهلَّب: إنما أخذَها حطباً لأهلهِ؛ لأنَّه قويَ عنده انقطاعُها من صاحبِها لغلبةِ العطبِ عليه وانكسَارِ سفينتِهِ، انتهى.
          وقال شيخُ الإسلامِ: والظَّاهرُ أنَّه إن وجدَ بالخشبةِ صَلاحيَّة الملك فهي لقطةٌ، وإلَّا فهي مبَاحةٌ كالاحتطابِ، انتهى.
          وقال ابنُ المنذرِ: روِّينا عن أبي هُريرة أنَّه قالَ في لقطةِ الحبلِ والزِّمام ونحوه: عرِّفهُ فإنْ وجدْتَ صاحبَه رددتْهُ عليه وإلَّا استمتعْتَ به، قال: وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ، لكن قال مالكٌ: ومن وجدَ لقطةً ديناراً أو درهماً أو أقل فليعرِّفهُ سنةً إلا اليسيرَ مثل: الفلسِ والجوزةِ والثَّمرات والكسْرةِ فإنه يتصدَّقُ به لوقتهِ، ولا أرى أن يأكلهُ إلَّا المحتاجُ.
          قال: وهو قولُ الكوفيين إلَّا في مدَّة التَّعريفِ، فإنَّهم قالوا: ما كانَ عشرةَ دراهِم فصَاعداً عرِّفه حولاً، وما كان دونَهُ عرِّفه بقدرِ ما يراهُ، انتهى ملخَّصاً مع زيادةٍ.