الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل

          ░17▒ (باب الرَّجُلِ) أي: بيانُ حُكمِ الرَّجلِ... إلخ، فـ((باب)) مُضافٌ، وظاهرُ كلامِ العينيِّ أنه بالتنوين، وجملةُ: ((يكون... إلخ))، إمَّا حالٌ من المضاف إليه، أو مستأنفةٌ، فتدبَّر.
          (يَكُونُ لَهُ مَمَرٌّ) بفتح الميمين؛ أي: مَكانٌ يمرُّ فيه (أَوْ شِرْبٌ) بكسر الشين المعجمة، عطفٌ على ((ممرٌّ))؛ أي: أو يكونُ له نصيبٌ، وقولُه: (فِي حَائِطٍ) أي: بستانٍ (أَوْ نَخْلٍ) أي: أو: في نخلٍ.
          وثبتَتْ في أكثرِ الأصول: <لفٌّ ونشرٌ مرتَّبٌ> أي: أن يكونَ له حقُّ المرورِ في حائطٍ، وحقُّ الشُّربِ في النخل، وفي ((المصابيح)) نقلاً عن ابن المنيِّر: وجهُ إدخالِ هذا في الفقه إمكانُ اجتماعِ الحقوقِ في العين الواحدة، هذا له الملكُ، وهذا له الانتفاعُ.
          وفهمَه البخاريُّ من استحقاقِ المبتاعِ للثَّمرةِ دونَ الأصلِ، فله حقُّ التطرُّقِ لاقتطافِها في الأرضِ المملوكةِ للبائع، وادَّعى ابنُ بطَّالٍ إجماعَ العلماءِ على دخولِ صاحبِ العَرِيَّةِ إلى الحائط لسَقيِها وإصلاحِها، انتهى.
          وزاد ابنُ المنيِّرِ، فقال: وليس كذلك؛ لأنَّ عندنا خلافاً فيمَنْ يسقي العَرِيَّةَ، فقيل: الواهبُ، وقيل: الموهوبُ له، وكذلك مَنْ يَسقي الثمرةَ المستثناةَ، فقيل: البائعُ، وقيل: المشتري، انتهى.
          (قَالَ) ولأبوَي ذرٍّ والوقت: <وقال> (النَّبِيُّ صلعم) مما سبقَ مَوصولاً بمعناه في بابِ مَنْ باع نخلاً قد أُبِّرَتْ (مَنْ بَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ) بضم المثناة الفوقية وفتح الهمزة والموحدة المشددة، وقال الكِرمانيُّ ومَن تَبعَه: بفتح الموحدة مخففة ومشددة؛ أي: بعد أن تُلقَّحَ.
          (فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ) أي: لدخولِها في المبيع، وقوله: (فَلِلْبَائِعِ... إلخ)، من كلام البخاريِّ، ذكرَه بالفاءِ دليلاً لترجمتِه استِنباطاً من حديثِ الباب، قال في ((الفتح)): وتوهَّمَ بعضُ الشُّرَّاحِ توهُّماً فاحشاً أنه من بقيَّةِ المرفوعِ، وليس كذلك، انتهى.
          ولأبي ذرٍّ: <وللبائع> (الْمَمَرُّ) بميمَين؛ أي: المرورُ (وَالسَّقْيُ) أي: للنَّخلِ لأجلِ الثَّمرةِ التي هي مِلكُه (حَتَّى يَرْفَعَ) بالتحتية والراء، مبنياً للفاعل؛ أي: حتى يقطَعَ الثَّمرةَ، وفي النُّسخةِ المقروءةِ على المَيدوميِّ: <حتى تُرفَعَ> بالفوقية، مبنياً للمفعول (وَكَذَلِكَ رَبُّ الْعَرِيَّةِ) أي: صاحبُ الشَّجرةِ التي باعَ مالكُها ثمرتَها لغيرِه بثمنٍ، زاد الكِرمانيُّ: ويحتمِلُ أنه يريدُ صاحبَ ثمرتِها، فله أن يدخلَ الحائطَ ليتعهَّدَ عَريَّتَه بالإصلاحِ.