الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: لا حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم

          ░11▒ (بابٌ) بالتنوين (لاَ حِمَى) أي: جائزٌ أو مشروعٌ (إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صلعم) ذكَرَ الاسمَ الشريفَ للتبرُّكِ، على حدِّ قولِه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال:41] الآية.
          وهذه التَّرجمةُ لفظُ حديثِ البابِ، والحِمى _بكسر الحاء المهملة وفتح الميم بلا تنوين_ مقصور، الشيءُ المحميُّ؛ أي: الممنوعُ من رعيِه، قال في ((المصباح)): حمَيتُ المكانَ / من النَّاسِ حَمْياً، من بابِ رمى، وحِميةً _بالكسر_؛ منعتُه عنهم، والحمايةُ اسمٌ منه، وأحمَيتُه _بالألف_؛ جعلتُه حِمى لا يُقرَبُ ولا يُجترَأُ عليه، قال الشاعر:
ونرْعَى حِمى الأَقْوامِ غَيرُ محرَّمٍ                     عَلَينَا ولَا يَرْعَى حِمَانَا الَّذِي نَحْمِي
          وأحمَيتُه _بالألف أيضاً_ وجدتُه حِمى، وتثنيةُ الحِمى حِميان _بكسر الحاء_ على لفظ الواحد، وبالياءِ وسُمِعَ بالواو، فيقال: حِمْوان، قاله ابنُ السِّكِّيت، انتهى.
          وقال شيخُ الإسلام: حِمى _بالقصر بغير تنوين_ لغةً: المحظورُ، واصطلاحاً: ما يحمِي الإمامُ من المواتِ ويمنَعُ النَّاسَ من الرعي فيه، وتَبِعَ في الحصرِ الحديثَ، وإلا فالمرادُ: لا حِمى إلا لله ولرسولِهِ ولمن وردَ عنه ذلك من الخلفاءِ بعدَه إذا احتاجَ إلى ذلك لمصلحةِ المسلمين، كما فعل الصِّديقُ والفاروقُ وعثمانُ لما احتاجُوا إلى ذلك، انتهى.
          وقال الكِرمانيُّ وغيرُه: والمقصودُ من الحَصرِ إبطالُ ما كان يحميهِ الرجلُ العزيزُ من أهلِ الجاهلية، يأتي الأرضَ الخصبةَ، فيستعوي كلباً، فيحمِي مدى صَوتِ الكلبِ من كلِّ جهةٍ، ويمنَعُ النَّاس أن يرعَوا حولَه أو فيه، ويرعى هو مع غيرِه فيما سواه.