الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من قال: إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى

          ░2▒ (باب مَنْ قَالَ: إِنَّ صَاحِبَ الْمَاءِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ حَتَّى يَرْوَى) بفتح التحتية أوله وسكون الراء وفتح الواو فألف، من الرِّيِّ _بكسر الراء وتشديد الياء_، قال ابنُ بطَّال: لا خلافَ بين العلماء أنَّ صاحبَ الماءِ أحقُّ بمائه حتى يَروى.
          قال في ((الفتح)): وما نفاه من الخلاف هو على القول بأنَّ الماءَ يُملَكُ، وهو مذهبُ الجمهور، فكأنَّه لا خلافَ عندهم في ذلك.
          (لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم) مما وصلَه المصنِّفُ بمعناه في آخرِ هذا الباب (لا يُمْنَعُ) ببناء ((يُمنَعُ)) للمفعول، وبالرفع للأكثر، نفيٌ بمعنى النهي، ولأبي ذرٍّ: بالجزمِ على النَّهي.
          (فَضْلُ الْمَاءِ) برفع ((فضل)) لأنه نائبُ فاعلِهِ على الوجهَين، وفي بعض الأصُول: <ليَمنَعَ به الكلأَ> كالحديثَين بعده الموصولَين، / وجهُ دِلالتِه على التَّرجمةِ بالمفهومِ، فإنَّ المرادَ بالفضلِ ما زادَ على الحاجةِ، فيكونُ أحقَّ بما لم يفضُلْ عن حاجتِهِ.
          قال في ((الفتح)): ولأحمدَ عن أبي هريرة: ((لا يُمنَعُ فضلُ ماءٍ بعد أن يُستغنى عنه)) قال: وهو محمولٌ عند الجمهور على ماء البئر المحفورةِ في الأرض المملوكة، وكذلك في المَواتِ إذا كان بقصد التملُّك، قال: والصحيحُ عند الشَّافعية، ونصَّ عليه في القديم، وحَرْملةَ: أنَّ الحافرَ يملِكُ ماءَها، وأما البئرُ المحفورةُ في المواتِ لقصد الارتِفاقِ لا التملُّك، فإنَّ الحافرَ لا يملِكُ ماءَها، بل يكونُ أحقَّ به إلى أن يرتَحِلَ عنه، وفي الصورتَينِ يجبُ عليه على الصحيحِ عند الشَّافعية بذلُ ما يفضُلُ عن حاجتِهِ من نفسِهِ وعيالِهِ وزَرْعِه وماشيتِهِ، وخصَّ المالكيَّةُ هذا الحُكمَ بالمواتِ، وقالوا في البئر التي في المِلك: لا يجبُ عليه بذلُ فضلِها، وأما الماءُ المحرَزُ في الإناءِ فلا يجبُ؛ أي: عند الجميعِ بذلُ فضلِه لغير المضطرِّ على الصَّحيح، وفي قوله: ((فضلُ الماء)) إشارةٌ إلى جوازِ بيعِ الماء؛ لأنَّ المنهيَّ عنه منعُ الفضل، لا منعُ الأصل.