الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج

          ░18▒ (بَابُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ ثُمَّ بَدَا): بغير همزٍ؛ أي: ظهرَ (لَهُ أَنْ يَخْرُجَ): أي: بتركِ إرادته الاعتكاف، ونبَّه بذلك على أنَّه لم يدخل في الاعتكاف ثمَّ خرج منه، خلافاً لمن خالفَ في ذلك، وحينئذٍ فلا دليل فيه لمن قالَ: يجوزُ الخروج مِن التطوُّع؛ لأنَّه عليه السلام لم يترك الاعتكافَ بعد دخوله فيه بل همَّ به ثم عرض له مانعٌ فتركه، قاله ابن المنيِّر كما في ((المصابيح)).
          وقال ابنُ بطَّالٍ: يحتمل أن يكون عليه السَّلام شرعَ في الاعتكافِ ودخل فيه فلذلك قضاه؛ لقول عائشةَ: ((إنَّ رسول الله انصرفَ إلى بنائِهِ)) فإن كان هكذا فيكون قضاؤه / واجباً.
          وأهلُ العلم متَّفقون أنَّه لا يجب قضاءُ الاعتكاف إلَّا على مَن نواه وشرع في عمله ثمَّ قطعه لعذرٍ، ويحتمل أنَّه عليه السلام لم يكن شرعَ فيه، وإنَّما كان انصرافُه إلى شأنه بعد صلاة الصُّبح للنَّظرِ في إصلاحِ أمورِه، ومَن كان هكذا فله أن ينصرفَ عن إمضَاء نيَّتِه لأمرٍ يراهُ، وقد قال العلماءُ: مَن نوى اعتكافه فله ترْكُه قبلَ أن يدخلَ فيه، انتهى.