الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله

          2026- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ): أي: التِّنِّيسيُّ، قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): أي: ابن سعدٍ (عَنْ عُقَيْلٍ): مصغَّراً، هو: ابن خالدٍ الأيلي (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ ♦ زَوْجِ النَّبِيِّ صلعم): وروى الحديثَ معمرٌ عن ابن شهابٍ عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ): فيه دليلٌ على أنَّ الاعتكاف لم يُنسَخ، وأنَّه مِن السُّنن المؤكَّدة، لا سيَّما في العَشْر الأواخر من رمضان؛ لطلب ليلةِ القدرِ.
          وروى أبو الشَّيخِ عن الحسين بن عليٍّ مرفوعاً: ((اعتكاف عشرٍ في رمضان بحَجَّتين وعمرتَين)) وهو ضعيفٌ.
          (ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ): أي: في المسجدِ، كما كان بعضهنَّ يعتكف زمنَه لإذنه لهنَّ، وفي ((العينيِّ)): قال النَّوويُّ: في هذا الحديث دليلٌ لصحَّة اعتكاف النِّساء؛ لأنَّه عليه السلام كان أَذِنَ لهنَّ، ولكن إنَّما يصحُّ عند أبي حنيفةَ اعتكافُ المرأة في مسجد بيتِها، وهو الموضعُ المهيَّأ لها في بيتها للصَّلاة فيه.
          قال ابنُ الملقِّن: الجديد من قول الشَّافعيِّ: إنَّه لا يصحُّ اعتكافُ المرأة في مسجدِ بيتها، وهو المعتزل المهيَّأ للصَّلاة، ووافَقَنا مالكٌ وأحمدُ، والقديمُ وفاقاً لأبي حنيفةَ، نعم؛ وبه قال النَّخَعيُّ والثَّوريُّ وابنُ عليَّة، قال: وعلى هذا ففي صحَّة اعتكاف الرَّجل في مسجدِ بيتِه وجهان، أصحُّهُما المنعُ، انتهى.
          وأقولُ: صرَّح العلائيُّ من الحنفيَّة بأنَّه يصحُّ اعتكاف المرأة في المسجد أيضاً، لكن مع الكراهةِ خلافاً لما في كلام العينيِّ، والخنثَى عندَهم كالرَّجل، فيه دليلٌ على أنَّ النِّساء كالرِّجال في الاعتكاف أيضاً.
          وأمَّا إنكارُه عليهنَّ الاعتكافَ بعد الإذن كما في الحديثِ الصَّحيح، فلخوفِ أن يكنَّ غيرَ مخلصاتٍ في الاعتكافِ، بل أردْنَ القرب منه لغيرتهنَّ عليه، أو ذهاب المقصُود من الاعتكافِ بكونهنَّ معه في المعتكَفِ، أو لتضييقهنَّ المسجدَ بأبنيتهنَّ، فالاعتكافُ مجمعٌ على استحبابهِ في حقِّ الرجال، واختلفَ العلماء في النِّساءِ.