نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: النسك شاة

          ░8▒ (بابٌ) بالتنوين (النُّسُكُ) المذكور في الآية هو (شَاةٌ) ووقع في رواية الطَّبري من طريق مغيرة، عن مجاهد في آخر هذا الحديث فأنزل الله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] والنُّسك شاة، ومن طريق محمَّد بن كعب القرظي، عن كعب: ((أمرني أن أحلق وافتدي بشاة)).
          قال القاضي عياض تبعاً لأبي عمر: كلُّ من ذَكَرَ النسكَ في هذا الحديث مفسَّرَاً فإنَّما ذكروا شاة، وهو أمرٌ لا خلاف فيه بين العلماء.
          وقال الحافظ العسقلانيُّ: يعكر عليه ما أخرجه أبو داود من طريق نافع، عن رجل من الأنصار، عن كعب بن عجرة: ((أنَّه أصابه أذى فحلق، فأمره النَّبي صلعم أن يهدي بقرةً)).
          وروى الطَّبراني من طريق عبد الوهاب بن بُخْتٍ، عن نافع، عن ابن عمر ☻ قال: ((حلق كعب بن عجرة رأسه فأمره رسول الله صلعم أن يفتدي فافتدى ببقرة))، وروى عبد بن حميد من طريق أبي معشر، عن نافع، عن ابن عمر ☻ قال: ((افتدى كعب من أذى كان برأسه فحلقه ببقرة قلَّدها وأشعرها)).
          وروى سعيد بن منصور من طريق ابن أبي ليلى، عن نافع، عن سليمان بن يسار: ((قيل لابن كعب بن عجرة: ما صنع أبوك حيث أصابه الأذى في رأسه، قال: ذبح بقرةً)).
          فهذه الطُّرق كلها تدور على نافع، وقد اختلف عليه في الواسطة الذي بينه وبين كعب، وقد عارضها / ما هو أصحُّ منها، وهو ما ثبت في الصَّحيح أنَّ الذي أُمِرَ به كعب وفعله في النُّسك إنَّما هو شاة.
          هذا، وقال الشَّيخ زين الدِّين العراقي: لفظ (البقرة) منكرٌ شاذٌّ، وقد روى سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق المقبري، عن أبي هريرة ☺: ((أنَّ كعب بن عجرة ذبح شاة لأذى كان أصابه))، وهذا أصوب من الَّذي قبله.
          واعتمد ابن بطَّال على رواية نافع، عن سليمان بن يسار فقال: أخذ كعب بأرفع الكفَّارات، ولم يخالف النَّبي صلعم فيما أمره به من ذبح شاة، بل وافق وزاد ففيه: إنَّ من أفتى بأيسر الأشياء فله أن يأخذ بأرفعها كما فعل كعب.
          وتعقَّبه الحافظ العسقلاني: بأنَّه فرع ثبوت الحديث ولم يثبت بعد لما تقدَّم.
          وقال ابن حزم: وخبر كعب بن عجرة ☺ الصَّحيح فيه ما رواه عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، والباقون روايتهم مضطربةٌ موهومةٌ، فوجب ترك ما اضطرب فيه، والرُّجوع إلى رواية عبد الرَّحمن التي لم تضطرب، ولو كان ما ذكر في هذه الأخبار عن قضايا شتَّى لوجب الأخذ بجميعها، وضم بعضها إلى بعض ولا يمكن هاهنا جمعها؛ لأنَّها كلها في قضيَّةٍ واحدةٍ، في مقام واحد، في رجلٍ واحد، في وقتٍ واحد، فوجب أخذ ما رواه أبو قِلابة والشَّعبي، عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، عن كعب، والله أعلم.