إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ناس من أمتي عرضوا علي غزاةً في سبيل الله

          6282- 6283- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) بن أبي أُويسٍ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَالِكٌ) الإمام الأعظم (عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ) عمِّه(1) (أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ☺ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم إِذَا ذَهَبَ إِلَى قُبَاءٍ) بالمدِّ والصَّرف (يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ) بالحاء المهملة المفتوحة والراء، الرُّميصاء (بِنْتِ مِلْحَانَ) بكسر الميم وسكون اللام وفتح الحاء المهملة وبعد الألف نون، خالة أنسٍ(2) (فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) ظاهره: أنَّها كانت إذ ذاك زوجتهُ، لكن سبق في «باب غزو المرأة في البحر» [خ¦2877] من طريق أبي طُوَالة، عن أنسٍ أنَّ تزوُّج(3) عبادةَ لها بعد دخولهِ صلعم عندها. وفي «مسلمٍ»: فتزوَّج بها عبادة بعدُ. وجُمِع بأنَّ المراد بقوله هنا: وكانت تحت عبادةَ. الإخبار عمَّا آل إليه الحال بعد ذلك (فَدَخَلَ) صلعم عليها(4) (يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ)‼ لم أقف على تعيين ما أكل عندها (فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) وقت القائلةِ (ثُمَّ اسْتَيْقَظَ) / حال كونه (يَضْحَكُ) إعجابًا وفرحًا بما رأى من المنزلة الرَّفيعة (قَالَتْ) أمُّ حرامٍ: (فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ(5): نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ) بتشديد التَّحتية (غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ) ╡ (يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا البَحْرِ) بفتح المثلثة والموحدة والجيم، هولهُ أو معظمهُ أو وسطه، ولمسلمٍ: «يركبون ظهر البحر» أي: يركبون السُّفن(6) الَّتي تجري على ظهره، ولمَّا كان جري السُّفن غالبًا إنَّما يكون في وسطه؛ قيل: المراد وسطهُ وإلَّا فلا اختصاص لوسطه بالرُّكوب (مُلُوكًا) نصب. قال في «العمدة»: بنزع الخافض، أي: مثل ملوكٍ، ولأبي ذرٍّ: ”ملوكٌ“ بالرَّفع(7)، أي: هم ملوكٌ (عَلَى الأَسِرَّةِ) في الجنَّة، و(8)رؤياه صلعم وحيٌ(9)، وقال الله تعالى في صفة أهل الجنَّة: {عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}[الحجر:47] (_أَوْ قَالَ: مِثْلُ المُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ. شَكَّ) ولأبي ذرٍّ: ”يشكُّ“ بلفظ المضارع (إِسْحَاقُ_) بن عبد الله بن أبي طلحة المذكور. قال في «الفتح»: والإتيان بالتَّمثيل(10) في معظم طرق الحديث يدلُّ على أنَّه رأى ما يؤولُ إليه أمرهم لا أنَّهم نالوا(11) ذلك في تلك الحالةِ، أو موضع التَّشبيه أنَّهم فيما هم فيه من النَّعيم الَّذي أُثيبوا به على جهادِهم مثل ملوك الدُّنيا على أسرَّتهم، والتَّشبيه بالمحسوس أبلغُ في نفس السَّامع (قُلْتُ) ولأبي ذرٍّ: ”فقلت: يا رسول الله“ (ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا) لي(12) فقال: «اللَّهمَّ اجعلْهَا منهم» وفي رواية حمَّاد بن زيدٍ، في «الجهاد» فقال: «أنتِ منهم» [خ¦2894] (ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ) حال كونهِ (يَضْحَكُ) إعجابًا وفرحًا بما(13) رآه من النَّعيم (فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ) ظهرَ (هَذَا البَحْرِ، مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ _أَوْ) قال(14): (مِثْلَ المُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ_ فَقُلْتُ): يا رسول الله (ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ) زاد أبو عَوَانة من طريق الدَّراورديِّ، عن أبي طُوَالة «ولست من الآخرين» وفي رواية عُمير(15) بن الأسود، في «باب ما قيل في قتال الرُّوم» [خ¦2924] أنَّه قال في الأولى: «يغزون هذا البحر» وفي الثَّانية(16) «يغزون قيصر» فيدلُّ على أنَّ الثَّانية إنَّما غزت في البَّرِّ (فَرَكِبَتِ البَحْرَ) أمُّ حرامٍ (زَمَانَ) ولأبي ذرٍّ: ”في زمان إمرةِ“ (مُعَاوِيَةَ) بن أبي سفيان على الشَّام، في خلافة عثمان (فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ البَحْرِ، فَهَلَكَتْ) أي: ماتَتْ، وفي رواية اللَّيث في «الجهاد» [خ¦2799] فلمَّا انصرفوا من غزوهم قافلين إلى الشَّام قُرِّبت لها(17) دابَّة لتركبها فصُرِعت عنها فماتت.
          وفي الحديث جواز ركوب البحر المِلْح، وكان عمر يمنع منه ثمَّ أذن فيه عثمان. قال ابن العربيِّ: ثمَّ منع منه عمرُ بن عبد العزيز، ثمَّ أذن فيه مَن بعدَه واستقرَّ الأمر عليه، ونُقِل عن عُمر أنَّه إنَّما منع من ركوبه لغير الحجِّ والعمرة ونحو ذلك، ونقلَ ابن عبد البرِّ أنَّه يحرمُ ركوبه عند ارتجاجهِ(18) اتِّفاقًا، وكره مالكٌ ركوب النِّساء البحر‼ لِما يُخشى من اطِّلاعهنَّ على عورات الرِّجال إذ يعسر الاحتراز من ذلك، وخصَّ أصحابه ذلك بالسُّفن الصِّغار، وأمَّا الكبار الَّتي يمكن فيها الاستتار بأماكن تخصُّهنَّ فلا حرج، ومشروعيَّة القائلة لِما فيها من الإعانةِ على قيام اللَّيل، وفيه عَلَمٌ من أعلام نبوَّته(19) صلعم وهو الإخبار بما سيقعُ، فوقع(20) كما قال.
          والحديثُ سبق في «الجهاد» [خ¦2894].


[1] في (د): «جده».
[2] في (ص) و(ل): «لأنس».
[3] في (ع) و(ص) و(د): «تزويج».
[4] «عليها»: ليست في (د).
[5] في (ع): «قال».
[6] في (ص): «السفينة».
[7] في (ص) و(ع) و(د): «رفع».
[8] في (ع) و(د): «في».
[9] «وحي»: ليست في (د).
[10] في (ع): «المثيل».
[11] في (ص): «لأنَّهم قالوا».
[12] «لي»: ليست في (د).
[13] في (د): «مما».
[14] «قال»: ليست في (د).
[15] في (د): «عمر».
[16] في (ص): «الباب».
[17] في (ص): «إليها».
[18] في (ص): «ارتجافه».
[19] في (ص): «النبوة منه».
[20] في (ع): «لوقع».