إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله

          ░52▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين: (كُلُّ لَهْوٍ بَاطِلٌ إِذَا شَغَلَهُ) أي: شغل اللَّاهي به (عَنْ طَاعَةِ اللهِ) ولو كان مأذونًا فيه، كمَن اشتغلَ بصلاةٍ نافلةٍ، أو تلاوةٍ، أو ذكرٍ، أو تفكُّرٍ في معاني القرآن حتَّى خرج وقت المفروضة عمدًا (وَ) حكم (مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ) بالجزم (وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}) قال ابنُ مسعودٍ فيما رواه ابن جريرٍ هو الغناءُ، والله الَّذي لا إله إلا هو يردِّدُها ثلاث مرَّاتٍ. وبه قال ابن عبَّاسٍ وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير. وقال الحسن: أنزلت في الغناء والمزامير. وعند الإمام أحمد عن وكيعٍ، قال: حدَّثنا خلَّاد الصَّفَّار عن عُبيد الله بن زَحْرٍ(1)، عن عليِّ بن يزيد، عن القاسمِ بن عبد الرَّحمن، هو: أبو عبد الرَّحمن(2) مرفوعًا: «لَا يحلُّ بيعُ المغنِّياتِ، ولَا شراؤهُنَّ، ولا التِّجارَة‼ فيهنَّ، وأكلُ أثمانهِنَّ حرَامٌ». ورواه ابن أبي شيبة بالسَّند المذكور إلى القاسم(3)، عن أبي أُمامة مرفوعًا بلفظ أحمد، وزاد وفيه أُنزلت(4) هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}[لقمان:6].
          ورواه التِّرمذيُّ من حديث القاسم بن عبد الرَّحمن، عن أبي أُمامة، عن رسول الله صلعم ، قال: «لَا تبيعُوا القيِّنَاتِ، ولَا تشترُوهُنَّ، ولَا تُعلِّموهنَّ، ولا خيرَ في تجارَةٍ فيهنَّ، وثمنهُنَّ حرامٌ في مثل هذا أُنزلت هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} الآيةَ»[لقمان:6] وقال: حديثٌ غريبٌ إنَّما نعرفه من هذا الوجه، قال: وسألت البخاريَّ عن إسنادِ هذا الحديث، فقال: عليُّ بن يزيد ذاهب الحديث، ووثَّق عبيد الله والقاسم بن عبد الرَّحمن. ورواه ابن ماجه في «التِّجارات» من حديث عُبيد الله الإفريقيِّ، عن أبي أُمامة، قال: «نَهى رسولُ الله صلعم عن بيع المغنِّيات، وعن شرائهنَّ، وعن كسبهنَّ، وعن أكل أثمانهنَّ».
          ورواه الطَّبرانيُّ عن عمر بن الخطَّاب ☺ أنَّ رسولَ الله صلعم ، قال: «ثمنُ القيِّنةِ(5) سُحْتٌ، وغناؤُهَا حرامٌ، والنَّظرُ إليهَا حرامٌ، وثمنُهَا مِن ثمنِ الكلبِ، وثمَنُ الكلبِ سُحْتٌ، ومَن نبتَ لحمُهُ مِن سُحتٍ فالنَّارُ أولى بهِ».
          ورواه البيهقيُّ عن أبي أُمامة من طريقِ ابن زَحْرٍ مثل رواية الإمام أحمد، وفي «معجم الطَّبرانيِّ الكبير» من حديث أبي أُمامة الباهليِّ أنَّ رسول الله صلعم قال: «مَا رفعَ رجلٌ بعقيرَتِهِ غنَاءً إلَّا بعثَ اللهُ شيطانين يجلسَانِ على منكبَيهِ يضربَانِ بأعقابِهِمَا على صدرِهِ حتَّى يسكُتَ متى سكتَ(6)».
          وقيل: الغناءُ مفسدةٌ للقلب، منفذةٌ للمالِ، مسخطةٌ(7) للرَّبِّ، وفي ذلك الزَّجر الشَّديد للأشقياءِ المعرضين عن الانتفاعِ بسماعِ كلام الله المُقبلين على استماعِ المزامير والغناء بالألحان وآلات الطَّرب، وإضافة اللَّهو إلى الحديث للتَّبيين بمعنى من؛ لأنَّ اللَّهو يكون من الحديث وغيره، فبيَّن بالحديث، أو للتَّبعيض كأنَّه قيل: ومن النَّاس مَن يشتري بعض الحديث الَّذي هو اللَّهو منه ({لِيُضِلَّ}) أي: ليصدَّ النَّاس ({عَن سَبِيلِ اللهِ}[لقمان:6]) دين الإسلام والقرآن، وسقط لأبي ذرٍّ قوله: «{لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ}» وقال بدلها: ”الآية“.


[1] في (د): «زجر».
[2] قوله: «هو أبو عبد الرحمن»: ليس في (د)، وهكذا جاء مرسلاً في جميع النسخ الخطية، والذي في مسند أحمد (22169) زيادة «عن أبي أمامة».
[3] قوله: «إلى القاسم»: ليس في (د).
[4] في (د): «فيه نزلت».
[5] في (ع) و(د): «المغنية».
[6] «متى سكت»: ليست في (د).
[7] في (ص): «مسخط».