إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن أم سليم كانت تبسط للنبي نطعًا

          6281- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) البلخيُّ أبو رجاءٍ قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) بن المثنَّى (الأَنْصَارِيُّ) قاضي البصرة، روى عنه المؤلِّف كثيرًا بلا واسطةٍ (قَالَ(1): حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَبِي) عبدُ الله بنُ المثنَّى بن عبدِ الله بنِ أنس بن مالكٍ (عَنْ ثُمَامَةَ) بضم المثلثة وتخفيف الميم، ابن عبد(2) الله بن أنس بن مالكٍ، وهو عمُّ عبد الله / بن المثنَّى (عَنْ أَنَسٍ) ☺ ، وهو جدُّ ثُمامة، وسقط لأبي ذرٍّ «عن أنسٍ» كما في الفرع وأصلهِ (أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ) الغُميصاء أو الرُّميصاء بنت ملحان بن خالدٍ الأنصاريَّة(3) وهي أمُّ أنسٍ، وعلى رواية أبي ذرٍّ بإسقاط: ”أنسٍ“ يكونُ الحديث مرسلًا؛ لأنَّ ثُمامة لم يدرك جدَّة أبيه أمَّ سُلَيمٍ. قال في «الفتح»: لكن دلَّ قوله في أواخره: فلمَّا حضرَ أنس بن مالكٍ(4) الوفاةَ، أوصى إليَّ أن يجعلَ في حنوطه. على أنَّ ثُمامة حمله عن أنسٍ فليس مرسلًا، ولا من مسند أمِّ سُلَيمٍ بل من مسندِ أنسٍ، وقد أخرجه الإسماعيليُّ من رواية ابن المثنَّى(5) عن محمَّد ابن عبد الله الأنصاريِّ، فقال في روايته: عن ثُمامة، عن أنسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يدخل على أمِّ سُلَيم... وذكر الحديث(6)، فهذا يُشعر بأنَّ أنسًا إنَّما حمله عن أمِّه. انتهى. قلتُ: والظَّاهر أنَّ الحافظ ابن حجرٍ لم يقف على ثبوت ذلك لغير أبي ذرٍّ، أو(7) لم يصحَّ عنده، فلذا جعل الحديث من مسند أنسٍ بطريقِ المفهوم كما قرَّره ونقلتُه(8) عنه(9). نعم، ثبت عن أنسٍ في كلِّ ما رأيتُه من النُّسخ الصَّحيحة وعليه شرح العينيُّ، وبه صرَّح المزيُّ في «أطرافه» فقال: في مسند أنسٍ ما نصُّه: ثُمامة بن أنس بن مالكٍ الأنصاريُّ، عن جدِّه‼ أنس، قال: حُدِّثت أنَّ أمَّ سُلَيمٍ كانت تبسطُ للنَّبيِّ صلعم نطعًا، فإذا قام أخذت عَرَقه... الحديثَ، أخرجه البخاريُّ في «الاستئذان»: عن قُتيبة، عن محمَّد بن عبد الله الأنصاريِّ، عن أبيه، عنه، به [خ¦6281]. انتهى.
          وقد وقع ما يشعر بأنَّ أنسًا حمله عن أمِّه أيضًا، ففي مسلمٍ من رواية أبي قِلابة عن أنسٍ، عن أمِّ سُلَيمٍ (كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِيِّ صلعم نِطَعًا) بكسر النون وفتح الطاء(10) المهملة (فَيَقِيلُ) فينامُ (عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطَعِ قَالَ) أنسٌ: (فَإِذَا نَامَ) ولأبي ذرٍّ: ”فإذا قام“ (النَّبِيُّ صلعم أَخَذَتْ) أمُّ سُلَيمٍ (مِنْ عَرَقِهِ) وكان كثير العرقِ (وَ) ما تناثر(11) من (شَعَرِهِ) عند التَّرجُّل (فَجَمَعَتْهُ) مع عرقه (فِي قَارُورَةٍ) من زجاجٍ (ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكٍّ) بضم السين(12) المهملة وتشديد الكاف، طِيبٌ مُركَّبٌ، وليس المراد أنَّها كانت تأخذُ من شعره وهو نائمٌ، وعند ابن سعدٍ بسندٍ صحيحٍ عن ثابتٍ، عن أنسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلعم لمَّا حلقَ شعره بمنى أخذَ أبو طلحة شعره فأتى به أمَّ سُلَيمٍ فجعلته(13) في سُكها. قالت أمُّ سُلَيمٍ: وكان يجيءُ ويقيلُ عندي على نِطَعٍ فجعلتُ أسلتُ العرق، ففيه أنَّها لمَّا أخذت العرق وقت قيلولةٍ أضافته إلى الشَّعر الَّذي عندها لا أنَّها أخذت من شعره لمَّا نام، وفي رواية ثابتٍ عن أنسٍ _عند مسلمٍ_: دخل علينا النَّبيُّ فقال عندنا(14) فعَرِق، وجاءت أمُّ سُلَيمٍ بقارورةٍ فجعلتْ تسلت العرق فيها فاستيقظ، فقال: «يَا أمَّ سُلَيمٍ ما هذَا الَّذي تصنعِينَ؟» قالت: هذا عرقك نجعلُه في طيبنا، وهو من أطيب الطِّيب (قَالَ) ثُمامة: (فَلَمَّا حَضَرَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الوَفَاةُ أَوْصَى أَنْ) ولأبي ذرٍّ: ”أوصى إلى أن“ (يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ) بفتح الحاء المهملة، وهو الطِّيب الَّذي يصنع للميِّت خاصَّةً، وفيه(15) الكافور يجعل في أكفانه (مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ) الَّذي فيه من عرقهِ وشعرهِ صلعم (قَالَ: فَجُعِلَ) بضم الجيم (فِي حَنُوطِهِ) كما أوصى، تبرُّكًا به، وعوذةً من المكاره(16).
          والحديثُ من أفرادهِ.


[1] «قال»: ليست في (ص).
[2] في (د): «أبو عبد».
[3] في (د): «الأنصاري».
[4] قوله: «بن مالك»: ليس في (ص) و(ع) و(د).
[5] في (ص) و(ب) و(س): «السني» وهو خطأ.
[6] قوله: «كان يدخل على أم سليم وذكر الحديث»: ليس في (س).
[7] في (ع) و(د): «و».
[8] في (ص): «نقله».
[9] قوله: «فلذا جعل الحديث من مسند أنس بطريق المفهوم كما قرره ونقلته عنه»: ليس في (د).
[10] «الطاء»: ليست في (ع) و(ب) و(د).
[11] في (ص): «يتناثر».
[12] «السين»: ليست في (د).
[13] في (ص): «فجعلتها».
[14] في (ص): «عندها».
[15] في (ل): «ومنه».
[16] قوله: «وعوذة من المكاره»: ليس في (د).