إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: الأيمن فالأيمن

          2352- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافعٍ الحمصيُّ قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة الحمصيُّ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) هو محمَّد بن مسلم ابن شهابٍ، أنَّه (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ☺ : أَنَّهَا) أي: القصَّة، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”أنَّه“ ، أي: الشَّأن(1) (حُلِبَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلعم شَاةٌ دَاجِنٌ) هي التي تألف البيوت وتقيم بها، ولم يقل: «داجنةٌ» اعتبارًا بتأنيث الموصوف؛ لأنَّ الشَّاة تُذكَّر وتُؤنَّث، وفي «النِّهاية»: هي التي تُعلَف في المنزل (وَهْيَ) أي: الدَّاجن، والواو للحال، ولأبي ذرٍّ: ”وهو“ أي: النَّبيُّ صلعم (فِي دَارِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) ☺ (وَشِيبَ لَبَنُهَا) بكسر الشِّين المعجمة، مبنيًّا للمفعول، و«لبنُها» رفع نائبٍ عن الفاعل، أي: خُلِط (بِمَاءٍ مِنَ البِئْرِ الَّتِي فِي دَارِ أَنَسٍ(2)، فَأَعْطَى رَسُولَ اللهِ صلعم القَدَحَ فَشَرِبَ مِنْهُ) ╕ (حَتَّى إِذَا نَزَعَ القَدَحَ) أي: قلعه (عنْ فِيهِ) وللمُستملي والحَمُّويي: ”من فيه“ (وَعَلَى يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيق ☺ (وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ) قيل: إنَّه خالد بن الوليد، ورُدَّ: بأنَّه لا يُقال له: أعرابيٌّ، وعبَّر بقوله: «وعلى» في الأولى، وبـ «عن» في الثَّانية، فقال الكِرمانيُّ: لعلَّ يساره كان موضعًا مرتفعًا، فاعتُبِر استعلاؤه، أو كان الأعرابيُّ بعيدًا عن الرَّسول صلعم (فَقَالَ عُمَرُ) ابن الخطَّاب ☺ (وَخَافَ) أي: والحال أنَّ عمر خاف / (أَنْ يُعْطِيَهُ) أي: يعطي النَّبيُّ صلعم القدح (الأَعْرَابِيَّ: أَعْطِ) _بهمزةٍ مفتوحةٍ_ القدحَ (أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللهِ عِنْدَكَ) قاله تذكيرًا للرَّسول ╕ ، وإعلامًا للأعرابيِّ بجلالة الصِّدِّيق (فَأَعْطَاهُ) ╕ (الأَعْرَابِيَّ الَّذِي عَلَى(3) يَمِينِهِ) ولأبي ذرٍّ في نسخةٍ وصُحِّح عليها في الفرع وأصله(4): ”عن“ بالنُّون بدل ”على“ باللَّام (ثُمَّ قَالَ) ╕ : قدِّموا (الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ) قال الكِرمانيُّ وتبعه البرماويُّ وغيره: «الأيمنَ» ضُبِط بالنَّصب على تقدير: أعطِ الأيمنَ، وبالرَّفع على تقدير: الأيمنُ أحقُّ، واستدلَّ العينيُّ لترجيح الرَّفع بقوله: في بعض طرق الحديث [خ¦2571]: «الأيمنون الأيمنون الأيمنون»، قال أنسٌ: فهي سنَّةٌ، فهي سنَّةٌ، فهي سنَّةٌ(5)، أي: تقدمة الأيمن، وإن كان مفضولًا لا خلاف في ذلك، نعم خالف ابن حزمٍ فقال: لا يجوز مناولة غير الأيمن إلَّا بإذن الأيمن، وأمَّا حديث ابن عبَّاسٍ عند أبي يعلى الموصليِّ بإسنادٍ صحيحٍ قال: كان رسول الله صلعم إذا سُقِي قال «ابدؤوا بالكبراء»، أو قال: «بالأكابر»، فمحمولٌ على ما إذا لم يكن على جهة يمينه أحدٌ(6)، بل كان الحاضرون تلقاء وجهه مثلًا، وإنَّما استأذن ╕ ‼ الغلام في الحديث السَّابق [خ¦2351] ولم يستأذن الأعرابيَّ هنا ائتلافًا(7) لقلب الأعرابيِّ وتطييبًا لنفسه وشفقةً أن يسبق إلى قلبه شيءٌ يهلك به لقرب عهده بالجاهليَّة، ولم يجعل للغلام ذلك لأنَّه قرابتُه، وسنُّه دون المشيخة فاستأذنه عليهم تأدُّبًا، ولئلَّا يوحشهم بتقديمه عليهم، وتعليمًا بأنَّه لا يدفع إلى غير الأيمن إلَّا بإذنه.
          وهذا الحديث أخرجه البخاريُّ أيضًا في «الأشربة» [خ¦5612]، وكذا مسلمٌ وأبو داود والتِّرمذيُّ وابن ماجه.


[1] قوله: «أي: الشَّأن»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[2] زيد في (د): «بن مالكٍ».
[3] في (ب): «عن».
[4] «وأصله»: ليس في (د).
[5] «فهي سنَّةٌ، فهي سنَّةٌ»: ليس في (د)، و«فهي سنَّةٌ»: الأخيرة ليس في (م).
[6] «أحدٌ»: ليس في (د1) و(ص) و(م).
[7] في (د): «استئلافًا».