إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال

          1881- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ) الحزاميُّ _بالزَّاي_ قال: (حَدَّثَنَا الوَلِيدُ) بن مسلمٍ الدِّمشقيُّ القرشيُّ، ثقةٌ لكنَّه كثير التَّدليس قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو) _بفتح العين_ هو عبد الرَّحمن بن عمرٍو الأوزاعيُّ قال: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ) بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاريُّ المدنيُّ قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ) أي(1): من البلدان يسكن النَّاس فيه وله شأنٌ (إِلَّا سَيَطَؤُهُ) سيدخله (الدَّجَّالُ) قال الحافظ ابن حجرٍ: هو على ظاهره وعمومه عند الجمهور، وشذَّ ابن حزمٍ فقال: المراد: لا يدخله بعثُه وجنودُه، وكأنَّه استبعد إمكان دخول الدَّجَّال جميع البلاد لقصر مدَّته، وغفل عمَّا ثبت(2) في «صحيح مسلمٍ»: أنَّ بعض أيَّامه يكون قدر السَّنة. انتهى. قال العينيُّ: يحتمل أن يكون إطلاق قدر السَّنة على بعض أيَّامه ليس على حقيقته، بل لكون الشِّدَّة العظيمة الخارجة عن الحدِّ فيه أُطلِق عليه كأنَّه قدر السَّنة.
          (إِلَّا مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ) لا يطؤهما، وهو مستثنًى من المستثنى، لا من بلدٍ؛ أي: في اللَّفظ، وإلَّا ففي المعنى منه لأنَّ الضَّمير في «سيطؤه» عائدٌ على البلد / ، وعند الطَّبريِّ(3) من حديث عبد الله بن عمرٍو: «إلَّا الكعبةَ وبيتَ المقدس»، وزاد أبو جعفرٍ الطَّحاويُّ: «ومسجد الطُّور»، وفي بعض الرِّوايات: «فلا يبقى له موضعٌ إلَّا ويأخذه، غير مكَّة والمدينة وبيت المقدس وجبل الطُّور، فإنَّ الملائكة تطرده عن هذه المواضع» (لَيْسَ لَهُ) سقط لأبي الوقت «له» (مِنْ نِقَابِهَا) بكسر النُّون؛ أي: من نقاب المدينة (نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ المَلَائِكَةُ) حال كونهم (صَافِّينَ) حال كونهم (يَحْرُسُونَهَا) منه، وهو من الأحوال المتداخلة، وسقط في رواية أبي الوقت لفظ «له» و«نقبٌ» (ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ) أي: تُزلزَل‼ (بِأَهْلِهَا) الباء يحتمل أن تكون سببيَّةً؛ أي: تُزلزَل(4) وتضطرب بسبب أهلها لتنفض إلى الدَّجَّال الكافر والمنافق، وأن تكون حالًا؛ أي: ترجف ملتبسةً(5) بأهلها، وقال المظهريُّ: ترجف المدينة بأهلها _أي: تحرِّكهم_ وتلقي ميل الدَّجال في قلب من ليس بمؤمنٍ خالصٍ، فعلى هذا فالباء صلة الفعل (ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ) بفتحاتٍ (فَيُخْرِجُ اللهُ) في الثَّالثة منها (كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ) ويبقى بها المؤمن الخالص، فلا يُسلَّط عليه الدَّجَّال، وللحَمُّويي والكُشْمِيْهَنِيِّ: ”فيُخرِج إليه“ (6) إلى الدَّجَّال ”كلَّ كافرٍ ومنافقٍ“ وهذا لا يعارضه ما في حديث أبي بكرة الماضي [خ¦1879] «أنَّه لا يدخل المدينةَ رعب الدَّجَّال» لأنَّ المراد بالرُّعب: ما يحصل من الفزع من ذكره والخوف من عتوّه، لا الرَّجفة التي تقع بالزَّلزلة لإخراج من ليس بمخلصٍ.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا مسلمٌ في «الفتن»، والنَّسائيُّ في «الحجِّ».


[1] «أي»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[2] «ثبت»: ليس في (د).
[3] وعزاه إلى الطبري عبد الحق في «الوسطى»، وعزاه ابن حجر للطبراني، وعزاه إليه الهيثمي في «مجمع الزوائد».
[4] في (د): «تتزلزل».
[5] في (ب) و(س): «متلبِّسةً».
[6] في غير(م): «الله»، وهو تكرارٌ وتحريفٌ.