إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية

          6932- وبه قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانُ) أبو سعيد الجعفيُّ الكوفيُّ نزيل مصر قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (ابْنُ وَهْبٍ) عبد الله المصريُّ قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد أيضًا / ، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (عُمَرُ) بضم العين، ابن محمد بن زيد بنِ عبد الله بنِ عمر بنِ الخطَّاب، وذكر أبو عليٍّ الجيانيُّ عن الأَصيليِّ قال: قرأه علينا أبو زيدٍ في عرضِهِ ببغداد: ”عَمرو بن محمد“ بفتح العين، وهو وهمٌ، والصَّواب ضمُّها كما مرَّ (أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ) بن الخطَّاب ☻ (وَ) الحال أنَّه (ذَكَرَ الحَرُورِيَّةَ، فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ) فقوله: «وذكر الحروريَّة» جملةٌ حاليَّة تفيدُ أنَّه حدَّث بالحديثِ عند ذكر الحروريَّة، وساق هذا الحديث بعد حديث أبي سعيد إشارة إلى أنَّ توقُّفَ أبي سعيدٍ المذكور محمولٌ على أنَّه لم ينصَّ في الحديثِ المرفوعِ على تسميتِهم بخصوصِ هذا الاسمِ، لا أنَّ الحديث لم يردْ فيهم، قاله في «الفتح».
          وفي الحديثِ: أنَّه لا يجوزُ قتالُ الخوارجِ وقتلهم إلَّا بعد إقامةِ الحجَّة عليهم بدعائهِم إلى الرُّجوع إلى الحقِّ والإعذارِ إليهم، وإلى ذلك أشار البخاريُّ في التَّرجمة بالآية المذكورة فيها، واستُدلَّ به لمن قال بتكفيرِ الخوارج، وهو مقتضى صنيع البخاريِّ في التَّرجمة حيثُ قرنهُم بالملحدِين، وأفرد عنهم(1) المتأوِّلين بترجمةٍ.
          واستدلَّ القاضي أبو بكر ابن العربيِّ لتكفيرِهم بقولهِ في الحديث: «يمرقون من الإسلام» وبقولهِ: «أولئكَ هم شرارُ الخلقِ». وقال الشَّيخ‼ تقيُّ الدِّين السُّبكيُّ في «فتاويه»: احتجَّ من كفَّر الخوارج وغلاة الرَّوافض بتكفيرِهم أعلامَ الصَّحابة؛ لتضمُّنه(2) تكذيبَ النَّبيِّ صلعم في شهادته لهم بالجنَّة، قال: وهو عندِي احتجاجٌ صحيحٌ، وذهب أكثرُ أهل الأصول من أهل السُّنَّة إلى أنَّ الخوارج فسَّاق، وأنَّ حكمَ الإسلام يجرِي عليهم لتلفُّظهم بالشَّهادتين ومواظبتِهم على أركان الإسلامِ، وإنَّما فسِّقوا بتكفيرهِم المسلمين مستندِين إلى تأويلٍ فاسدٍ، وجرَّهم ذلك إلى استباحةِ دماءِ مخالفيهِم وأموالهِم والشَّهادة عليهم بالكفرِ والشِّرك.
          وقال القاضِي عياض: كادَتْ هذه المسألة أن تكون أشدَّ إشكالًا عند المتكلِّمين من غيرها حتَّى سأل الفقيهُ عبد الحقِّ الإمام أبا المعالي عنها، فاعتذرَ بأنَّ إدخالَ كافرٍ في الملَّةِ وإخراج مسلمٍ منها عظيمةٌ في الدِّين، قال(3): وقد توقَّف قبله القاضِي أبو بكر الباقلَّانيُّ وقال: لم يصرِّح القوم بالكفرِ، وإنَّما قالوا أقوالًا تؤدِّي إلى الكفر.
          وقال(4) الغزاليُّ في «كتاب التفرقة بين الإيمان والزَّندقة»: الَّذي ينبغِي الاحترازُ عن التَّكفير ما وجدَ إليه سبيلًا، فإنَّ استباحَةَ دماءِ المسلمين المصلِّين المقرِّين بالتَّوحيد خطأٌ، والخطأُ في ترك ألف كافرٍ في الحياةِ أهونُ من الخطأ في سفكِ دم مسلمٍ واحدٍ.


[1] في (ص): «أفردهم عن».
[2] في (ص): «لتضمينه».
[3] «قال»: ليست في (ص).
[4] في (د): «قال».