إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم

          ░6▒ (باب قَتْلِ الخَوَارِجِ) الَّذين خرجوا عن الدِّين وعلى عليِّ بنِ أبي طالب ☺ ، وذلك أنَّهم أنكروا عليه التَّحكيم الَّذي كان بينَه وبين معاوية ☺ وكانوا ثمانية آلاف، وقيل: أكثر من عشرة آلاف، وفارقوه فأرسلَ إليهم أن يحضروا فامتنَعوا حتَّى يشهدَ على نفسه بالكفرِ لرضاه بالتَّحكيم، وأجمعوا على أنَّ من لا يعتقدُ مُعْتقدهم يكفرُ ويُباح دمُه ومالُه وأهلُه وانتقلوا إلى الفعلِ، فكانوا يقتلونَ من مرَّ بهم من المسلمين فقتلوا عبدَ الله بن الأرَتِّ، وبقروا بطنَ سُرِّيَّته، فخرج عليٌّ ☺ عليهم فقتلَهم بالنَّهروان فلم يَنْجُ‼ منهم إلَّا دون العشرةِ، ولم يُقتلْ ممَّن معه إلَّا دون العشرة، ثمَّ انضمَّ إليهم من مالَ إلى رأيهم، ولمَّا ولي عبد الله بن الزُّبير الخلافة ظهروا بالعراقِ مع نافع بنِ الأزرق، وباليمامةِ مع نجدةَ بن عامرٍ، فزادَ نجدةُ على مذهبهم أن من لم يخرجْ لمحاربة المسلمين فهو كافرٌ، وتوسَّعوا حتَّى أبطلوا رجمَ المحصن، وقطعوا يد السَّارق من الإبطِ، وأوجبوا الصَّلاة على الحائضِ في حال الحيض، ومنهم من أنكر الصَّلوات الخمس، وقال(1): الواجبُ صلاةٌ بالغداةِ وصلاةٌ بالعشيِّ، ومنهم من جوَّز نكاحَ بنتِ الابن والأخت، ومنهم من أنكرَ سورة يوسف من القرآن.
          قال ابن العربيِّ: الخوارجُ صنفان: أحدهما: يزعم أنَّ عثمان وعليًّا وأصحاب(2) الجملِ وصفِّين وكلَّ من رضِي بالتَّحكيم كفَّار، والصِّنف الآخرُ يزعم أنَّ كلَّ من أتى كبيرة فهو كافرٌ مخلَّدٌ في النَّار أبدًا.
          (وَ) باب قتل (المُلْحِدِينَ) بضم الميم وسكون اللام بعدها حاء فدال مهملتان / ، العادلين عن الحقِّ المائلين إلى الباطلِ (بَعْدَ إِقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ) بإظهارِ بُطلان دَلائلهم (وَقَوْلُِ اللهِ تَعَالَى) بجرِّ «قول» عطفًا على المجرور السَّابق، وبالرَّفع على الاستئنافِ: ({وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ}[التوبة:115]) أي: ما أمرَ الله باتِّقائه واجتنابهِ ممَّا نهى عنه، وبيَّن أنَّه محظورٌ لا يُؤاخذ به عباده الَّذين هَداهم للإسلامِ، ولا يخذلهم إلَّا إذا أقدموا عليه بعد بيان حظرهِ عليهم(3)، وعلمهم بأنَّه واجبُ الاجتناب، وأمَّا قبلَ العلم والبيان فلا.
          قال في «الكشاف»: وفي هذه الآية شديدةٌ ما ينبغِي أن يُغفل عنها، وهي أنَّ المهدي للإسلام إذا أقدمَ على بعضِ محظوراتِ الله داخلٌ في حكمِ الإضلال، قال في «فتوح الغيب»: قولهُ: وفي هذه شديدةٌ، أي: خصلة أو بليَّة أو قارعة أو دَاهية، حذف الموصوف لشدَّة الأمر وفظاعتهِ، يعني: في الآية تهديدٌ عظيمٌ للعلماءِ الَّذين يقدمون على المناكيرِ على سبيلِ الإدماجِ، وتسميتِهم ضلَّالًا من باب(4) التَّغليظ.
          (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ) ☻ (يَرَاهُمْ) أي: الخوارجَ (شِرَارَ خَلْقِ اللهِ) المسلمين (وَقَالَ: إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا) أي: أوَّلوها (عَلَى المُؤْمِنِينَ) وصله الطَّبريُّ في «تهذيب الآثار» في مسند عليٍّ. وعند مسلم من حديث أبي ذرٍّ مرفوعًا على وصف الخوارج: «هم شرارُ الخلقِ والخليقةِ» وعند البزَّار بسندٍ حسنٍ عن عائشة ♦ قالت: ذكرَ رسولُ الله صلعم الخوارجَ فقال: «هم شرارُ أمَّتي يقتلُهم خيارُ أمَّتي».


[1] في (ع) و(د): «قالوا».
[2] في (ب): «أصحابه».
[3] في (س): «إلَّا إذا قدموا عليه بعد بيان حظره».
[4] في (د): «من بعد».