الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب صلاة الخوف رجالا وركبانا

          ░2▒ (باب: صَلاة الخَوْف رِجَالًا ورُكْبَانًا)
          كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: يعني: إذا اشتدَّ الخوف فلم يقدروا على أدائها كما شُرعت، ولا كما ذُكرت في الآية، يصلُّون فُرادى رجالًا أو ركبانًا، يُومئون بالرُّكوع والسُّجود، وأمَّا في حالة القتال فلا تَتأدَّى بل تُؤخَّر. انتهى.
          وفي «هامشه» قال الحافظ: قيل: مقصوده أنَّ الصَّلاة لا تسقط عند العجز عن النُّزول عن(1) الدَّابَّة ولا تؤخَّر عن وقتها، بل تصلَّى على أيِّ جهة حصلت القدرة عليه بدليل الآية. انتهى.
          والأَوجَهُ عندي في غرض التَّرجمة أنها إشارةٌ إلى تفسير قوله عز اسمه: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة:239] أنَّ المراد بقوله: رجالًا: قيامًا لا ماشيًا، وردٌّ على مَنْ أباح الصَّلاة ماشيًا، كما قال به أحمد، وبه قالَ الشَّافعيُّ في «المطلوب» كما سيأتي.
          فإنَّ لفظ: الرِّجال يُطلق على المشاة أيضًا كما في سورة الحجِّ: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} الآية [الحج:27]، فنبَّه الإمام البخاريُّ بالتَّرجمة على أنَّ المراد في آية صلاة الخوف بالرِّجال القائمون، ولذا قال: راجل قائم، وذكر فيه أثر مجاهد: (إذا اختلطوا قيامًا) وأيَّده بالمرفوع: (فليصلُّوا قيامًا وركبانًا) فتأمَّلْ.
          ويؤيِّده ما قال الحافظ: وفي «تفسير الطَّبريِّ» بسند صحيح عن مجاهد: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة:239] إذا وقع الخوف فليصلِّ الرَّجل على كل جهة قائمًا أو ركبانًا. انتهى.
          لكن في هذا الغرض أنَّه سيأتي قريبًا (باب: صلاة الطَّالب والمطلوب) ويمكن التَّفصِّي عنه بأنَّ ما سيأتي مقيَّد بـ(راكبًا) فالجواز في حالة الرُّكوب، وهاهنا الرَّدُّ على كونه ماشيًا.


[1] في (المطبوع): ((من)).