إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: مرضت فجاءني رسول الله يعودني وأبو بكر

          7309- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة (قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ المُنْكَدِرِ) محمَّدًا (يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ) الأنصاريَّ ☻ (يَقُولُ: مَرِضْتُ، فَجَاءَنِي رَسُولُ اللهِ صلعم يَعُودُنِي وَأَبُو بَكْرٍ) في بني سلمة (وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَأَتَانِي وَقَدْ أُغْمِيَ) أي: غُشي (عَلَيَّ) والواو للحال (فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلعم ، ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ) بفتح الواو، أي: ماء وَضوئه(1) (عَلَيَّ، فَأَفَقْتُ) من الإغماء (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ _وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ) بن عُيينة: (فَقُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ_ كَيْفَ أَقْضِي(2) فِي مَالِي؟ كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي؟ قَالَ) جابرٌ: (فَمَا أَجَابَنِي) صلعم (بِشَيْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ المِيرَاثِ) وفي «النِّساء» [خ¦4577] «فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ}[النساء:11]» وسبق هناك أنَّ الدِّمياطيَّ قال: إنَّه وهمٌ، وأنَّ الذي في جابرٍ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ}[النساء:176] كما رواه مسلمٌ، وفيه زيادة بحثٍ فاطلبه ثَمَّ [خ¦4577]، وليس في الحديث المعلَّق ولا الموصول دليلٌ؛ لقول المصنِّف في التَّرجمة: لا أدري، وقال في «الكواكب»: في قوله: «لا أدري» حزازةٌ؛ إذ ليس في الحديث ما يدلُّ عليه، ولم يثبت عنه صلعم ذلك، قال في «فتح الباري»: وهو تساهلٌ شديدٌ منه(3) في الإقدام على نفي الثُّبوت، والظَّاهر أنَّه أشار في التَّرجمة إلى ما ورد في ذلك ممَّا لم يثبُت عنده منه شيءٌ على شرطه وإن كان يصلح للحُجَّة، على عادته في أمثال ذلك، وفي حديث ابن عمر عند ابن حِبَّان: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلعم فقال: أيُّ البقاع خيرٌ؟ قال: «لا أدري» فأتاه جبريل فسأله، فقال: لا أدري، فقال: سَلْ ربَّك فانتفض جبريل انتفاضةً... الحديث، وفي حديث أبي هريرة ☺ عند الدَّارقطنيِّ والحاكم: أنَّ رسول الله صلعم قال: «ما أدري الحدود كفارةٌ لأهلها أم لا؟» وعن المهلَّب: إنَّما سكت النَّبيُّ صلعم في أشياء مُعضلةٍ ليس لها أصلٌ في الشَّريعة، فلا بدَّ فيها من الاطِّلاع على الوحي، وإلَّا فقد شرَّع صلعم لأمَّته القياس، وأعلمهم كيفيَّة الاستنباط في مسائل لها أصولٌ ومعانٍ؛ ليريهم كيف يصنعون فيما لا نصَّ فيه، والقياس: هو تشبيه ما لا حُكم فيه بما فيه حكمٌ في المعنى، وقد شبَّه صلعم الحُمُرَ بالخيل، فقال: «ما أنزل الله عليَّ فيها شيئًا غير هذه الآية الفاذَّة الجامعة: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزلة:7_8[خ¦2371] وقال للمرأة التي أخبرته أنَّ أباها لم يحجَّ: «أرأيتِ لو كان على أبيك دينٌ، أكنت قاضيته؟ فالله أحقُّ بالقضاء» فهذا هو عين القياس، وتعقَّبه السَّفاقسيُّ: بأنَّ البخاريَّ لم يُرِد النَّفي المطلق، وإنَّما أراد أنَّه صلعم ترك الكلام في أشياء، وأجاب بالرَّأي في أشياء، وقد بوَّب لكلِّ ذلك بما ورد فيه، وأشار إلى قوله بعدَ بابين: «باب من شبَّه أصلًا‼ معلومًا بأصلٍ مُبيَّنٍ».
          والحديث سبق في «تفسير سورة النِّساء» [خ¦4577] والله أعلم.


[1] زيد في (د): «بفتح الواو».
[2] في (ع): «أوصي».
[3] «منه»: مثبتٌ من (د) و(س).