التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم

          3256- قوله: (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ السين، وفتح اللام، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ): أنَّه سَعْدُ بن مالك بن سِنان، و(الخُدْرِيُّ): بالدال المُهْمَلَة بلا خلافٍ، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله.
          قوله: (الدُّرِّيَّ): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ الدال وكسرها قريبًا [خ¦3254].
          قوله: (الْغَابِرَ): هو بالغين المُعْجَمَة، وبعد الألف مُوَحَّدة، قال ابن قرقول: (معناه: البعيد، وقيل: الذاهب الماضي، كما قال في الرواية الأخرى «الغابر»: «العازب»، وفي كتاب ابن الحَذَّاء: «الغائر»(1))، وقال في (العين مع الزاي): («الكوكب العازب»؛ أي: البعيد، كذا للأصيليِّ، ومنه: «رجل عَزْب»؛ لبُعدِه عن النساء، و«اشتدَّت علينا العزوبة»، وفي رواية أخرى: «الغارب» [خ¦6556]؛ وهو الذي يَبعُد للغروب، وقد قال قوم: معنى «الغارب»: الغائب، ولا يحسنُ في هذا الحديث، وإنَّما المراد: [بُعْد] ما بين المنازل في الارتفاع، شُبِّه ببُعْدِ الكوكب مِنَ الأرض، وعند أبي الهيثم: «الغابر»، وابن الحَذَّاء: «الغائر») انتهى.
          وقد ذكر ابن الأثير اللَّفظة في «نهايته» في (العين _يعني: المُهْمَلَة_ والزاي)، فقال: («العازب»: هكذا جاء في رواية؛ أي: البعيد، والمعروف: «الغارب»؛ بالغين المُعْجَمَة والراء، و«الغابر»؛ بالموحَّدة).
          قوله: (فِي الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ): وقال شيخنا: («في الأفق الشرقيِّ أو الغربيِّ»: قال ابن التين: وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الناحية [الشرقيَّة] ليس يكون الغروب فيها، وإنَّما يكون فيها المطالع)، انتهى.
          قوله: (بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ): قيل: إنَّهم بلغوا درجات الأنبياء، وهذا ظاهِرُ اللَّفظ، وهو مُشْكلٌ إلَّا أن يؤوَّل، وقيل: بل يبلغون هذه المنازل الموصوفة، وإنَّ منازل الأنبياء فوق ذلك، والقول الأوَّل فيه نظر إلَّا إذا أُوِّل(2)، والله أعلم، وقال شيخنا: (يريد: أنَّهم لم يبلغوا درجات الأنبياء، قيل: هكذا ظاهره، وقال الداوديُّ: [يعني: يبلغون هذه المنازل التي وصف، وأنَّ منازل الأنبياء فوق ذلك، فعلى ما عند أبي ذرٍّ: «بل...» إلى آخره الأمرُ بيِّنٌ، كما ذكره الداوديُّ](3)، وعلى ما عند الشيخ أبي الحسن: «بلى» يكون كما تَقَدَّمَ أنَّهم يبلغون درجات الأنبياء، وقال القرطبيُّ: كذا وقع هذا الحرف «بلى» الذي أصلها حرفُ جوابٍ وتصديق، وليس هذا موضعَها؛ لأنَّهم لم يستفهموا، وإنَّما أُخبروا أنَّ تلك منازل الأنبياء لا لغيرهم، فجواب هذا يقتضي أن تكون «بل»(4) التي هي للإضراب عن الأوَّل، وإيجاب المعنى(5) الثاني، فكأنَّه تُسومِح فيها، فوُضِعَت «بلى» موضع «بل»، و«رجالٌ»: مَرْفُوعٌ بالابتداء المحذوف؛ تقديره: هم رجالٌ، ورواية: «بل» فيها توسُّعٌ؛ أي: تلك المنازل منازل رجالٍ «آمنوا بالله» حقَّ إيمانه «وصدَّقوا المرسلين»؛ أي: حقَّ تصديقهم، وإلَّا؛ فكلُّ من يدخل الجنَّة؛ آمن بالله وصدَّق رسلَه)، انتهى.
          تنبيه: سيأتي كلام الحكيم التِّرْمِذيِّ [خ¦3257]، والجوابُ عنه: أنَّ الغبطة أن يتمنَّى مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها عنه، وليس بحسدٍ، ويُطلَق لغةً أيضًا على حسن الحال، قال الجوهريُّ: (والاسم: الغبطة؛ وهو حسن الحال)، فلمَّا استحسن الأنبياء والشهداء حالهم؛ قال فيهم ذلك، والله أعلم.


[1] ضبطه المصنِّف في (أ): (العائر)؛ بالعين، والمثبت من مصدره، ومن الموضع اللاحق، وانظر «التوضيح» ░19/158▒.
[2] (إلا إذا أول): ليس في (ب)، قال الحافظ في «الفتح» ░6/378▒: (ويمكن توجيه «بلى» بأنَّ التقدير: نعم هي منازل الأنبياء بإيجاب الله تعالى لهم ذلك، ولكن قد يتفضَّل الله تعالى على غيرهم بالوصول إلى تلك المنازل)، وقال أيضًا: (وقع في حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي [«المسند» ░2/339▒، «سنن الترمذي» ░2556▒]: قال: «بلى والذي نفسي بيده، وأقوام آمنوا بالله ورسوله»، هكذا فيه بزيادة الواو العاطفة، ففسد تأويل الداوديِّ).
[3] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[4] (بل): سقط من (ب).
[5] في (ب): (معنى).