التلقيح لفهم قارئ الصحيح

وقول الله جل وعز: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجن}

          قوله: ({وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ}[الأحقاف:29]): اعلم أنَّ الذين وُجِّهُوا من الجنِّ إلى النَّبيِّ صلعم كانوا من جنِّ نَصِيبِينَ الجزيرةِ، وفي «تفسير عَبْد بن حُمَيدٍ»: (أنَّهم من نينَوى، وافَوه بنخلةَ، وقيل: بشعب الحجون)، انتهى، وكانوا سبعةً، وقد ذكر شيخنا عن ابن التين: (أنَّهم كانوا تسعةً)، انتهى.
          وقد ذُكِروا بأسمائهم في التفاسير والمُسنَدَات؛ وَهُم: شاصر، وماصر، ومَنْشي، وماشي، والأحقب، وهؤلاء الخمسة ذكرهم ابن دريد، وسُرَّق، ذكره أبو عليٍّ الغسانيُّ في مناقب عمر بن عبد العزيز، وعمرو بن جابر، ذكروه أيضًا.
          فائدةٌ: لم يُذكَر في الصَّحَابة من هؤلاء السبعة إلَّا عمرُو بن جابر، قال الذَّهَبيُّ في «تجريده»: (عمرو بن جابر: هو الحيَّة التي كفَّنها(1) ودفنها صفوان بن المعطَّل بالعَرْج)، انتهى، وقصَّته في «المسند» لأحمد ابن حنبل من حديث صفوان بن المعطَّل، والظاهر من القصَّة أنَّ الذي كفَّنها غير صفوان، انتهى.
          وقد رأيت في «الغيلانيَّات» في أوائل الجزء السابع منها حديثًا عن مَنُوسَ عن سمحج(2)؛ وهو مِنَ الجنِّ الذين وفدوا على رسول الله صلعم، وسمَّاه رسول الله صلعم عبدَ الله، وفي «موضوعات ابن الجوزيِّ» في (باب تعبُّد إبليس) حديثٌ وفيه: امرأة من الجنِّ يقال لها: فارعة، ثمَّ ذكره من طريق آخرَ: اسمها عفراء بنت الرجل الصالح، وظاهره أنَّها صحابيَّة، ولكنَّ الحديثَ موضوعٌ، ولو صحَّ؛ لعُدَّت في الصَّحَابة، ولم أرَ أحدًا ذكرها في الصَّحَابة ولا عفراء، والله أعلم، وذكر حديثها من طريق آخرَ، وسمَّاها فيه: الفارعة بنت المستورد.
          وقد ذكر الذَّهَبيُّ في «الصَّحَابة»: (عَمرًا الجنيَّ، قيل: إنَّه عَمرو بن طارق، روى عنه عثمان بن صالح المصريُّ، أوردناه اقتداءً بأبي موسى، ذُكِر في ليلةِ الجنِّ في حديث ابن مسعود «س»)؛ يعني: ذكره أبو موسى، وظاهر هذا أن يكون مِن الذين استمعوا القرآنَ، فيكونون تسعةً على هذا، وعلى ما ذكرهم ابن التين كما تَقَدَّمَ.
          وقد ذكر الذَّهَبيُّ أيضًا في «تجريده» شخصًا آخرَ اسمه: (مالك بن مالك، من هواتف الجانِّ الذي ارتجز في ظهور النَّبيِّ صلعم إن صحَّ سنده «س»)؛ يعني: ذكره أبو موسى.
          وذكر أيضًا زوبعةَ، من الذين استمعوا القرآن، فعلى صحَّة هذا يكون زوبعةُ لقبًا لواحدٍ من المستمعين.
          قال ابن الأثير في «الأُسْد»: (والعجب أنَّهم يذكرون الجنَّ في الصَّحَابة، ولا يذكرون جبريل ولا ميكائيل)، وتعقَّبه الذَّهَبيُّ فقال: (لأنَّ الجنَّ آمنوا برسول الله صلعم، وهو مرسلٌ إليهم، والملائكة ليسوا كذلك، بل ينزلون بالرسالة إلى رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، انتهى، وهذا يتمشَّى بأنَّ رسول الله صلعم ما أُرسِل إلى الملائكة، وقد رأيتُ بعضَهم ينقل عن العلَّامة أبي الحسن عليِّ بن عبد الكافي السُّبكيِّ: أنَّه أُرسِل إليهم.
          وقد ذكر الذَّهَبيُّ جِنِّيًّا آخرَ اسمه عبد النور وغيرَه، وقد قَدَّمْتُ ذكرهم في (الصلاة) [خ¦773].
          قوله: ({مَصْرِفًا}[الكهف:53]): هو بفتح الميم، وكسر الراء، و(مَعْدِلًا) كذلك؛ بفتح الميم، وكسر الدال.


[1] في (ب): (لقيها).
[2] في (ب): (شمحج)، «الفوائد الشهير بالغيلانيات» ░1/543▒ ░696▒.