التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث أبي هريرة: أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر

          3254- قوله: (كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ): (أحسنِ): مجرورٌ بالكسر؛ لأنَّه أُضيف.
          قوله: (دُرِّيٍّ): (الدُّرِّيُّ): الثاقب المضيء، نُسِب إلى الدُّرِّ لبياضه، يُقال بضَمِّ الدال، وقد تُكسر.
          قوله: (إِضَاءَةً): تَقَدَّمَ قريبًا، وأنَّه مَنْصُوبٌ على التمييز [خ¦3246].
          قوله: (لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ): كذا (زوجتان) وهي لغة تَقَدَّمَت [خ¦3245]، والأفصح: زوجان.
          إن قلت: ما الجمع بين هذا وبين الذي في بعض «السُّنن»: «ما مِن أحدٍ يُدخِلُه اللهُ الجنَّةَ إلَّا زوَّجه ثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين، وسبعين من ميراثه من أهل النَّار» قال هشام بن خالد: «من ميراثه من أهل النار»؛ يعني: رجالًا دخلوا النار، فورث(1) أهلُ الجنَّة نساءهم؛ كما وُرِثتِ امرأةُ فرعونَ، وكذا الحديث الآخر المتضمِّن: «سبعين من الحور العين» _على تقدير صحَّة ما في بعض «السنن»، فإنَّ في(2) سنده خالد بن يزيد، ضعَّفوه_ وبين الحديث الذي في «أبي يعلى» من رواية أبي هريرة قال: حدَّثنا رسول الله صلعم وهو في طائفةٍ من أصحابه...؛ فذكر حديثًا طويلًا وفيه: «فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجةً ممَّا يُنشِئ الله، وثنتين من ولد آدم»، وهذا قطعةٌ من حديث الصُّوْر الطويل، ولا يُعرَف إلَّا من حديث إسماعيل بن رافع، وقد ضعَّفه أحمدُ [ويحيى وجماعةٌ، وقال الدَّارَقُطْنيُّ](3) وغيره: متروك الحديث، ولكن إذا روى مثل هذا ممَّا يخالف الأحاديث الصحيحة؛ لم يُلتفَت إليه، وأيضًا الرجل الذي روى عنه القُرَظيُّ لا يُدرى مَن هو، وظاهر الكلام: ثبوت ثنتين من الحور العين فقط، ولم يُتعرَّض فيه كم للمؤمن من نساء الدنيا، غير أنَّهن أقلُّ أهل الجنَّة بالأحاديث الثابتة؟
          والجواب: أنَّه ليس في قوله: «زوجتان مِنَ الحور العين» _وكذا حديث أبي يعلى(4)_ ما ينفي الزيادة على الذي له على طريق الأصالة والإرث، ولا ينفي رواية: (سبعين)؛ لأنَّه ليس في ذكر القليل ما ينفي الكثير، وهو من باب مفهوم العدد، ولا يُعمَل به عند جمهور الأصوليِّين، وفي «المسند» من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «إنَّ له مِنَ الحور العين لَاثنتين وسبعين زوجةً سوى أزواجه من الدنيا»، فيه: سُكَين بن عبد العزيز ضعَّفه النَّسائيُّ، وشهر بن حَوْشَب ضعْفُه مشهورٌ، وهو مُنكَرٌ مخالفٌ للأحاديث الصحيحة، فإنَّ طولَ ستِّين ذراعًا لا يحتمل أن تكون صاحبته مَقعدها بقدر ميلٍ مِنَ الأرض، والذي في «الصحيح»: «أوَّل زمرةٍ تَلِجُ الجنَّة لكلِّ امرئٍ منهم زوجتان من الحور العين»، فكيف يكون لأدناهم ثنتان وسبعون من الحور العين؟! وأقلُّ ساكني الجنَّة نساءُ الدنيا؛ فكيف يكون لأدنى أهل الجنَّة جماعةٌ منهنَّ؟! وذكر شيئًا آخَرَ في الحديث منكرًا.
          ثمَّ اعلم أنَّه جاءت أحاديثُ بزيادةٍ على ثنتين وسبعين، فورد: (ثلاث وسبعون)، وفي سنده: أحمد بن حفص هو السعديُّ، له مناكيرُ، والحجَّاج بن أرطاة، وجاء: (أنَّ الشخص يُفضي إلى مئة عذراء)، رواه الطَّبَرانيُّ ثمَّ(5) قال: (لم يروِه عن هشامٍ إلَّا زائدة، تفرَّد به الجعفيُّ)؛ يعني: حسين بن عليٍّ الجُعفيَّ، قال الضياءُ مُحَمَّد بن عبد الواحد المقدسيُّ الحافظ: رجال هذا الحديث عندي على شرط «الصحيح»، وروى أبو الشيخ من حديث ابنِ عَبَّاسٍ: قال رسولُ اللهِ صلعم: «والذي نفسي بيده؛ إنَّ الرجلَ يُفضي في الغداة الواحدة إلى مئة عذراء»، في سنده: زيد بن الحَوارِيِّ، مُختلَف فيه.
          قال ابن إمام الجوزيَّة: (والأحاديث الصحيحة إنَّما فيها: «لكلٍّ منهم زوجتان»، وليس في «الصحيح» زيادةٌ على ذلك، فإن كانت هذه الأحاديث محفوظةً؛ فإمَّا أن يُراد بها ما لكلِّ واحدٍ من السراري زيادةً على الزوجتين، ويكونون في ذلك على حسب منازلهم في القلَّة والكثرة، وإمَّا أن يراد به: أنَّه يُعطى قوَّة مَن يُجامِع هذا العدد، ويكون هذا هو المحفوظ، فرواه بعض هؤلاء بالمعنى، فقال: له كذا وكذا زوجة، وقد روى التِّرْمِذيُّ في «جامعه» من حديث قَتَادةَ عن أنسٍ عن النَّبيِّ صلعم قال: «يُعطى المؤمن في الجنَّة قوَّة كذا وكذا مِن الجماع»، قيل: يا رسول الله؛ أوَيطيق ذلك؟ قال: «يُعطَى قوَّة مئة»، هذا حديث صحيح، فلعلَّ مَن روى: «يُفضي إلى مئة عذراءَ» رواه بالمعنى، أو يكون تفاوتهم في عدد النساء بحسب تفاوتهم في الدرجات، والله أعلم، ولا ريب أنَّ للمؤمن في الجنَّة أكثرَ من اثنتين؛ لما في «الصحيحين»، ثمَّ ذكر حديث أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه: قال رسول الله صلعم: «إنَّ للعبد المؤمن في الجنَّة لَخيمةً من لؤلؤة مجوَّفة، طولها ستُّون ميلًا، للعبد المؤمن فيها أهلون يطوف عليهم، لا يرى بعضهم بعضًا» [خ¦4879])، انتهى.
          وقد روى أبو الشيخ ابنُ حيَّان الحافظُ أبو مُحَمَّد في كتاب «طبقات المحدِّثين» وفي كتاب «العظَمة» من حديث ابنِ(6) أبي أوفى بسندٍ ضعيفٍ: «إنَّ الرَّجُل مِن أهل الجنَّة لَيتزوَّج خمسَ مئة حوراء، وأربعةَ آلافِ بِكرٍ، وثمانية آلافِ ثيِّبٍ، يُعانِق كلَّ واحدةٍ منهنَّ مقدار عمرِه في الدنيا»، والله أعلم.
          تنبيهٌ: روى المُسَيَّب بن شَرِيك عن النَّبيِّ صلعم في قوله تعالى: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا}[الواقعة:35-36]، قال: «هنَّ عجائزُ الدنيا، أنشأهنَّ الله خَلْقًا جديدًا، كلَّما أتاهنَّ أزواجُهنَّ؛ وجدوهنَّ أبكارًا»، فلمَّا سمعت عائشةُ ♦؛ قالت: وا وجعاه!(7) فقال النَّبيُّ صلعم: «ليس هناكِ وجع»، المُسَيَّب بن شَرِيك أبو سعيد التميميُّ الشَّقَريُّ الكوفيُّ، عن الأعمش، ليس بشيءٍ، وقال مسلمٌ وجماعةٌ: (متروك)، له ترجمةٌ في «الميزان».
          ورُويَ عن ابن عَبَّاس ☻ أنَّه قال: (إنَّ الرجل من أهل الجنَّة لَيعانق الحوراء سبعين سنةً لا يملُّها ولا تملُّه، كلَّما أتاها؛ وجدها بكرًا، وكلَّما رجعت إليه؛ عادت شهوته، فيجامعها بقوَّة سبعين رجلًا، لا يكون بينهما مني، يأتي مِن غير مني منه ولا منها)، وقال مجاهدٌ في قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ}[البقرة:25]: أي: مطهَّرةٌ من الحيضِ والغائطِ والبولِ والنُّخامِ والبصاقِ والمني والولدِ، ذكره ابن المبارك.
          قوله: (يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ): (يُرى): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و(مُخُّ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وإن شئت؛ فقل: (يَرى) مَبْنيٌّ للفاعل، و(مُخَّ): مَنْصُوبٌ مفعول.


[1] في (ب): (فورثوا).
[2] زيد في (ب): (السنن في).
[3] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[4] (وكذا حديث أبي يعلى): ليس في (ب).
[5] (ثم): ليس في (ب).
[6] (ابن): سقط من (ب).
[7] في (ب): (واوجعتاه).