التلقيح لفهم قارئ الصحيح

ما جاء في قول الله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده}

          اعلم أنَّ هذه التفاسيرَ التي ذكرها البُخاريُّ عن الصَّحَابة، أو التابعين، أو غيرهم، أو لم يعزُها لأحد، بل ذكرها من غير عزوٍ؛ غالبُها أخرجها شيخنا معزوَّة إلى قائلها، وإلى الكتب التي هي فيها، والله أعلم.
          فائدةٌ: حديث: «كنت كنزًا مخفيًّا، فأحببت أن أُعرَف» لا يُعرَف له إسنادٌ صحيح ولا ضعيف.
          قوله: (بَدْءِ): هو مهموز الآخر، مفتوح المُوَحَّدة، ساكِنُ الدال؛ أي: ابتداء، وهذا ظاهِرٌ، ويُعرَف من الآية التي ساقها البُخاريُّ، ولا يجيء فيه ما جاء في (بدوِّ(1) الوحي) من الهمز وعدمه [خ¦1/-2]، والله أعلم.
          تنبيهٌ: حديث: «أوَّلُ ما خلق الله القلمُ» رواه عبادةُ بنُ الصامتِ، أخرجه أبو داود والتِّرْمِذيُّ وقال: (حسنٌ صحيحٌ غريبٌ)، انتهى، وفي سنده: عبدُ الواحد بن سليم؛ هالكٌ، وللناس فيه كلامٌ كثيرٌ، قال الذَّهَبيُّ: (حديثُه منكَرٌ في القَدَر وخَلْقِ القَلَم، والعجب أنَّ ابنَ حِبَّانَ ذكره في «الثقات»!) انتهى، وقد رأيتُ حديثَ عبادةَ في «مسند أبي يعلى» مِن حديث ابن عَبَّاس وفي آخره: «وأمره أن يكتب كلَّ شيءٍ»، ورأيته في «المستدرك» في (سورة الجاثية) موقوفًا على ابن عَبَّاس.
          وأمَّا حديث: «أوَّلُ ما خلق الله العقلُ»؛ فرواه الطَّبَرانيُّ في «الأوسط» من حديث أبي أمامة، وأبو نُعَيم مِن حديث عائشةَ ☻ بإسنادَين ضعيفَين، قال شيخُنا الشارحُ: (قال سعيد ابن جُبَيرٍ [عَنِ ابن عبَّاسٍ]: أوَّلُ ما خلق الله اللوحُ والقلمُ والدَّواةُ، وقيل: أوَّلُ ما خلق الله القلمُ، وقيل: الدَّواة، وعن ابن إسحاق: أوَّلُ ما خلق الله النورُ والظلمةُ، قال الطَّبَريُّ: وأَولى ذلك بالصواب عندي مَن قال: القلم، ثمَّ خلق سحابًا رقيقًا؛ وهو الغمام، ثمَّ العرش، وقيل: خلق الماءَ قبل العرش)، انتهى.
          وفي «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة عن النَّبيِّ صلعم: «خلق الله التربة(2) يوم السبت...»؛ الحديث، وقد أُعِلَّ بأنَّ أبا هريرة رواه عن كعبٍ، انتهى.
          وقال شيخُنا الشارحُ أيضًا في (كتاب القدر): (أوَّلُ ما خلق الله اللوحُ والقلمُ والدَّواة، وقال للقلم: اكتب، فكتب، ورُوِيَ عن ابن عَبَّاس: أوَّلُ ما خلق الله القلمُ، فقال: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فكتب، ثمَّ خلق نون، فوقع ذلك، فذلك قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}[القلم:1]، وذكر أيضًا عنه: أوَّل ما خلق الله الدواة _وهي نون_ وَالقَلَم، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، انتهى.
          وذكر أيضًا في (سورة {ن}) ما لفظه: (وفي «أدب الإملاء» لأبي سعد السمعانيِّ من حديث أبي هريرة مرفوعًا: أوَّلُ ما خلق الله القلمُ، ثمَّ خلق النونَ؛ وهي الدواة، وذلك قوله: {ن}...؛ الآية)، انتهى.
          قوله: (قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ): هو بضَمِّ الخاء المُعْجَمَة، ثمَّ ثاء مُثَلَّثَة مفتوحة، ثمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ ميم، كُنْيَةُ الربيع أبو يزيدَ، وهو ثوريٌّ، نسبه إلى ثور بن عبد مناة بن أُدِّ بن طابخة بن إلياس بن مضر، وإليه أيضًا سفيان بن سعيد بن مسروق الثَّوْريُّ، روى الرَّبيعُ عنِ ابنِ مسعودٍ، وأبي أيُّوب، وغيرِهما، وأرسل عنه صلعم، وعنه: الشعبيُّ، وإبراهيمُ، وجماعةٌ، وكان ورعًا قانتًا مخبتًا(3) ربَّانيًّا حُجَّةً، تُوُفِّيَ في حدود سنة أربع وستِّين، أخرج له البُخاريُّ، ومسلمٌ، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ، وابنُ ماجه.
          قوله: (وَالْحَسَنُ): هو ابنُ أبي الحسنِ البصريُّ، العالمُ المشهورُ، تَقَدَّمَ مرارًا.
          قوله: (كُلٌّ عَلَيْهِ هَيِّنٌ. وَهَيِّنٌ وَهَيْنٌ...) إلى آخره: يعني: أنَّهما لغتان: التشديد والتخفيف، وقال ابن الأعرابيِّ _كما نقله شيخنا عنه_: العرب تمدح بـ(الهَيْن) (اللَّيْن) مخفَّفًا، وتذمُّ بهما مثقَّلًا.
          قوله: (وَضِيْقٍ وَضَيِّقٍ): كذا هو في أصلنا بكسر الضاد بالقلم، وسكون الياء، و(ضَيِّق): بالتشديد مع فتح الضاد، ولغة التشديد إنَّما هي من مفتوح الضاد لا من مكسورها، فما في أصلنا فيه نظرٌ، وراجع «صحاح الجوهريِّ»؛ تعرف ذلك، وأمَّا (الضَّيْق) الذي في القرآن؛ ففيه كسر الضاد وفتحها مع التخفيف، قراءتان في السبع، قرأ ابن كثير {فِي ضَيْقٍ} في (النَّمل)[الآية:70] و(النَّحل) [الآية:127] بكسر الضاد، والباقون بفتحها، والله أعلم. /


[1] في (ب): (بدء).
[2] في (ب): (التوبة)، وهي محتملة في (أ)، والمثبت من مصدره.
[3] (قانتًا مخبتًا): ليس في (ب).