التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر

          3245- قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ): هذا هو ابنُ المبارك، أحدُ الأعلام، و(مَعْمَرٌ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الميمين، وإسكان العين، وأنَّه ابنُ راشدٍ.
          قوله: (تَلِجُ الْجَنَّةَ): (تلجُ): تدخل، وهذا ظاهِرٌ.
          قوله: (وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ): إن قيل: أيُّ حاجة في الجنَّة إلى الأمشاط ولا تتلبَّد شعورهم ولا تتَّسخ؟ وأيُّ حاجةٍ إلى البَخُور وريحهم أطيبُ من المسك؟
          ويجاب عن ذلك: بأنَّ نعيم أهل الجنة وكسوتهم ليس عن دفع ألمٍ اعتراهم؛ فليس أكلُهم عن جوعٍ، ولا شربهم عن ظمأ، ولا تطيُّبهم(1) عن نَتَنٍ، وإنَّما هي لَذَّات متوالية، ونِعَمٌ متتابعة، والله أعلم. /
          قوله: (وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ): أي: بَخُورهم العود، وهو اسم له مُرتَجل، وقيل: هو ضربٌ من خِيار العود وأجودِه، وتُفتَح هَمزتُه وتُضَمُّ، وقد اختُلِف في أصلها وزيادتها، انتهى كلام ابن الأثير، وقال شيخنا: («ومجامرهم»: مباخِرُهم)، انتهى.
          تنبيه: (الألنجوج): يأتي ذكره.
          قال شيخنا في (الأَُلُوَّة): (بفتح الهمزة وضمِّها، حكاهما ابن التين، وقيل: بكسرها، ويخفَّف ويشدَّد)، انتهى، وقال السُّهَيليُّ: في (الألوَّة) أربع لغات: (أَلُوَّة، وأُلُوَّة، ولُوَّة؛ بغير ألف، ولِيَّة، قاله أبو حنيفة)، انتهى.
          ويقال فيه: يَلَنْجُوج، ويَلَنْجُج، وأَلَنْجَج، والأَلَنْجُوج، واليَلَنْجَج، واليَلَنْجُوجِيُّ؛ كلُّ هذا في عود الطِّيب، وقال شيخنا في (الألنجوج) عن الداوديِّ: (إنَّه النَّدُّ)، ثُمَّ ذكر في (خلق آدم) عن الداوديِّ: (أنَّ الألُوَّة: النَّدُّ، والألنجوج: عود الطيب، ونصُّ الحديث مع قول أهل اللُّغة: أنَّ الألُوَّة: العود؛ وهو الألنجوج)، انتهى.
          سؤال: إن قلت: كيف قال: «مجامرهم الألُوَّة»، وكذا في الحديث الآتي بُعيد هذا، ومعلومٌ أنَّ الجنَّة لا نارَ فيها، فما معناه؟
          والجواب: ما قاله ابن إمام الجوزيَّة في «حادي الأرواح» في (الباب الثامن والأربعين) منه ولفظُه: (فإن قيل: فأين يُشوى اللَّحم، وليس في الجنَّة نارٌ؟ فقد أجاب عن هذا بعضُهم: بأنَّه يُشوى بـ«كُنْ»، وأجاب آخرون: بأنَّه يُشوى خارجَ الجنَّة، ثمَّ يُؤتَى به إليهم، والصَّواب: أنَّه يُشوى في الجنَّة بأسبابٍ قدَّرها العزيز العليم لإنضاجه وإصلاحه، كما قدَّر هناك أسبابًا لإنضاج الثمر والطعام، على أنَّه لا يمتنع أن يكون فيها نارٌ تُصلِح لا تُفسِد، وقد صحَّ عنه صلعم أنَّه قال: «مجامرهم الألُوَّة»، والمجامر: جمع مجمرٍ؛ وهو البخور الذي يُتبخَّر بإحراقه، والألوَّة: العود، فأخبر أنَّهم يتجمَّرون؛ أي: يتبخَّرون بإحراقه؛ لتسطعَ لهم رائحتُه، وقد أخبر سبحانه أنَّ في الجنَّة ظلالًا، والظلال لا بدَّ أن تفيء ممَّا يقابلها، فقال: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ}[يس:56]، وقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ}[المرسلات:41]، وقال: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً}[النساء:57]، فالأطعمة والحلواء والتجمُّر يستدعي أسبابًا يتمُّ بها، والله خالق الأسباب والمسبَّب، وهو ربُّ كلِّ شيء ومليكه، لا إله إلَّا هو)، انتهى، وعن الإسماعيليِّ في «المستخرج»: (ويُنظَر هل في الجنَّة نارٌ؟) انتهى.
          قوله: (وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ): (الرشح): العرق.
          قوله: (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ): كذا هو بالتاء، وهو لغةٌ، وسيأتي قريبًا: (زوجتان من الحور العين)، وأذكر ما رأيتُ فيه [خ¦3254].
          قوله: (يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا): (يُرى): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و(مخُّ): مَرْفُوعٌ غير مُنَوَّن؛ لأنَّه مضاف، وهو نائبٌ مَنَابَ الفاعل.


[1] في (ب): (تطييبهم).