التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: الذهب بالذهب ربًا إلا هاء وهاء

          2134- قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ): هذا هو ابنُ المَدينيِّ عليُّ بن عبد الله(1)، وكذا في «أطراف المِزِّيِّ»، في تطريف هذا الحديث قال: (علي بن عبد الله)، وكأنَّه كذا وقع في نسخته منسوبًا، أو في نسخة أبي مسعود، أو خَلَف، أو الكلِّ، وترجمتُه مشهورةٌ، وقد تقدَّمَتْ [خ¦137]، و(سُفْيَانُ) هذا: هو ابنُ عُيَينة، وقد ذكرتُ لك مستندي في ذلك في غير حديث فيها: (عليُّ بن المَدينيِّ عن سفيان) [خ¦1541]؛ وذلك لأنِّي رأيتُ عبدَ الغنيِّ في «الكمال» ذكره في مشايخ ابنِ المَدينيِّ، ولم يذكرِ الثَّوريَّ فيهم، والله أعلم.
          قوله: (عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ): هذا مالك بن أوس بن الحَدَثان النَّصريُّ، والحَدَثان: بفتح الحاء والدَّال المهملتين، وبالثَّاء المثلَّثة، وفي آخره نون، والنَّصريُّ: بالنُّون، وبالصَّاد المهملة، كنيته أبو سعيد، اختلف النَّاس فيه؛ فقال بعضهم: إنَّه صحابيٌّ، والصَّحيح: أنَّه تابعيٌّ.
          واعلم أنَّ التَّابعين طبقاتٌ(2)؛ أوَّلهم: مَن روى عن العشرة المشهود لهم بالجنَّة، قالوا: وليس في التَّابعين أحدٌ روى عن العشرة إلَّا قيس بن أبي حازم، ذكره عبد الرَّحمن بن يوسف بن خِراش، وقال أبو عبيدٍ الآجريُّ عن أبي داود: (روى عن تسعة من العشرة، ولم يروِ عن عبد الرَّحمن بن عوف)، وأمَّا قول الحاكم في «علوم الحديث»: (وقد أدرك سعيدُ بن المسيِّـَب أبا بكر، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وعَلِيًّا... إلى آخرِ العشرة)، قال: (وليس في جماعة التَّابعين مَن أدركهم وسمع منهم غير سعيدٍ وقيسِ بن أبي حازم)؛ فهو غلطٌ صريحٌ، وكذا قوله في النَّوع الرابعَ عشرَ: (فمن الطبقة الأولى قومٌ لحقوا العشرة؛ منهم: سعيد بن المسيِّـَب، وقيس بن أبي حازم، وأبو عثمان النَّهديُّ، وقيس بن عُبَاد، وأبو ساسان حُضَيْن بن المنذر، وأبو وائل، وأبو رجاء العطارديُّ)، انتهى، فقد أُنكِر على الحاكم؛ لأنَّ سعيدًا وُلِد في خلافة عمر بلا خلاف، فكيف يسمع من أبي بكر؟! والصَّحيح أيضًا: أنَّه لم يسمع من عُمَرَ، نعم؛ أثبت أحمدُ سماعَه منه، وبالجملة فلم يسمع من أكثر الصحابة العشرة فيما حكاه ابنُ الصَّلاح، لا يصحُّ له روايةٌ عن أحدٍ من العشرة [إلَّا سعد بن أبي وقَّاص](3).
          تنبيهٌ: مالك بن أوس بن الحَدَثان _على القول بأنَّه ليس بصحابيٍّ، وهو الصَّحيح_ قال ابنُ عبد البَرِّ: (إنَّه سمع من العشرة المهاجرين)، [وذكر أيضًا في ترجمة قيس بن أبي حازم: أنَّه لم يسمع من عبد الرَّحمن بن عوف، وإذا كان كذلك؛ فمالك بن أوس فَرْدٌ في أنَّه سمع من العشرة](4)، أو أنَّه ثانٍ لقيس على قول جماعةٍ، والله أعلم، تُوفِّيَ مالك بن أوس(5) هذا سنة ░92هـ▒، أخرج له الأئمَّةُ السِّتَّةُ، وفي كلام الذَّهبيِّ: (قيل: رأى أبا بكر)، والله أعلم.
          قوله: (فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا): الظَّاهر أنَّه طلحةُ بنُ عُبَيد الله، أحدُ العشرة، ترجمتُه معروفةٌ، وفي الصَّحابة مَن اسمُه (طلحة) خمسةَ عشرَ، وثلاثةٌ الصَّحيحُ فيهم أنَّهم(6) تابِعون.
          قوله: (خَازِنُنَا)(7): خازنه(8) لا أعرف اسمه.
          قوله: (مِنَ الْغَابَةِ): هي بالغين المعجمة، وبعد الألف موحَّدة مفتوحة، ثمَّ تاء التأنيث: مال من أموال عوالي المدينة، وقد صحَّفها بعض النَّاس، فقال: الغاية، وكذلك غلط بعض الشَّارحين في تفسيرها، فقال: الغابة: موضع الشجر التي ليست بمربوبة(9) لاحتطاب النَّاس ومنافعهم، فغلط فيها من وجهين، وإنَّما الغابة: هي الشَّجر الملتفُّ والأجم من الغابة وشبهها، قاله ابن قرقول، وسيأتي قريبًا بأطولَ من(10) هذا [خ¦2174].
          قوله: (إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ): قال ابن قرقول: (كذا رويناه) _يعني: بالمدِّ_ قال: (وهو قول أكثر أهل اللُّغة، ومن أهل الحديث مَن يرويه: «هَا وهَا»؛ مقصورَين، وأهل العربيَّة أكثرهم يُنكِره، وحكى بعضهم القصر، ومعنى الكلمة: هاكَ، أُبدِلَتِ الكافُ همزةً، وأُلقِيت حركتها(11) عليها عند [مَن مدَّ، أو «ها» عند] مَن قصر؛ أي: خُذْ؛ كأنَّ كلَّ واحد يقوله لصاحبه، وقيل: معناه: هاكَ وهاتِ؛ أي: خذ وأعطِ، وقال الخليل: «هي كلمة تُستعمَل عند المُناوَلة»، ويقال للمؤنَّث على هذا: هاءِ؛ بكسر الهمزة، كما يقال: هاكِ، وفيه لغة ثالثة: «ها» مقصور غير مهموز؛ مثل «خَفْ»، وللأنثى: هائي، كأنَّها صُرِفت تصريف فعلٍ معتلِّ العين؛ مثل «خاف»، ولغة رابعة: بالكسر للذَّكر والأنثى سواء، إلَّا أنَّك تزيد للأنثى ياءً، فتقول: هائي؛ مثل: هاتِ، وهاتي للمؤنَّث؛ كأنَّها صُرِفَت تصريف فعلٍ معتلِّ اللَّام؛ مثل «راعي»، ولغة خامسة: هاءكَ؛ ممدود، بعد الهمزة كاف، وتُكسَر للمؤنَّث، ولغة سادسة: أن تصرفها(12) تصريفَ فعلٍ محذوفٍ؛ مثل «وَهَبَ»، فتقول: «هَأْ»؛ مقصور، مهموز، ساكن الهمزة، وللمرأة: هائي، ويُثنَّى ويُجمَع، ولغة سابعة: [مثلها] لكنَّها للذَّكر والأنثى والواحد(13) وغيره سواء، قال السيرافيُّ: كأنَّهم جعلوه صوتًا؛ مثل: صَه)، انتهى، وهذا الكلام أجمعُ كلامٍ رأيتُ في هذه اللَّفظة، ولابن الأثير فيها كلام مختصر، وقال في آخره: (وفيها لغات أخرى).


[1] (علي بن عبد الله): سقط من (ب).
[2] في (ج): (طباق).
[3] الكلام للعراقيِّ في «التبصرة والتذكرة» ░3/47_48▒، وفي (ب) بدل مما بين معقوفين: (المهاجرين، وذكر أيضًا في ترجمة قيس بن أبي حازم)، ولعلَّه سبق نظرٍ.
[4] ما بين معقوفين سقط من (ب).
[5] في (ب): (أويس)، وهو تحريفٌ.
[6] في (أ) و(ب): (أنَّه).
[7] في (ب): (جارية)، وهو تحريفٌ.
[8] في (ب) و(ج): (خازله)، وهو تحريفٌ.
[9] في (ب): (بربوية).
[10] (من): ليس في (أ).
[11] في (ب): (حرفها)، وهو تحريفٌ.
[12] في (ب): (يصرفها).
[13] في (ج): (وللأنثى وللواحد).