شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: التيمم ضربة

          ░8▒ بَابُ: التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ.
          فيهِ: حديثُ أبي مُوسَى وعَبْدِ اللهِ إلى قَولِ النَّبيِّ صلعم: (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا، وضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً على الأرْضِ ثمَّ نَفَضَهَا ثمَّ مَسَحَ بِهِا ظَهْرَ كَفِّهِ(1) شِمَالِهِ أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ(2) ثُمَّ مَسَحَ بِهِا(3) وَجْهَهُ). [خ¦347]
          اختلف العلماء في صفة التَّيمُّم، فقالت طائفةٌ: هو ضربتان: ضربةٌ للوجه يمسح بها وجهه، وضربةٌ لليدين يمسحهما(4) إلى المرفقين اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى، رُوِيَ(5) هذا عن ابنِ عُمَرَ والشَّعْبِيِّ، والحَسَنِ(6)، وهو قول مالكٍ والثَّوْرِيِّ واللَّيْثِ وأبي حنيفةَ وأصحابِهِ والشَّافعيِّ، وذكره الطَّحَاوِيُّ عن الأوزاعيِّ، وهؤلاء كلُّهم لا يجزئه عندهم المسح دون المرفقين، إلَّا مالكٌ فإنَّ الفرض عنده إلى الكوعين، ورُوِيَ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ مثل هذا، ضربةٌ للوجه وضربةٌ لليدين إلى الكوعين.
          وقالت طائفةٌ: التَّيمُّم ضربتان يمسح بكلِّ ضربةٍ منهما وجهه وذراعيه إلى مرفقيه، هذا قول ابنِ أبي ليلى والحَسَنِ بنِ حيٍّ. وقالت طائفةٌ: التَّيمُّم ضربةٌ واحدةٌ للوجه والكفَّين إلى الكوعين. رُوِيَ هذا عن عَطَاءٍ ومَكْحُولٍ ورواية عنِ الشَّعْبِيِّ، وهو قول الأوزاعيِّ وأحمدَ وإِسْحَاقَ واختيار(7) ابنِ المُنْذِرِ. وروى ابنُ القَاسِمِ عن مالكٍ: إنْ مسح وجهه ويديه بضربةٍ واحدةٍ أرجو أن يجزئه ولا إعادة عليه، والاختيار عنده ضربتان. فأمَّا الَّذين اختاروا ضربتين ضربةٌ للوجه وضربةٌ لليدين إلى المرفقين فإنَّهم قاسوا ذلك على الوضوء، واتَّبعوا فعل ابن عُمَرَ في ذلك، وقالوا: لما كان غسل الوجه بالماء غير غسل اليدين، فكذلك يجب أن تكون الضَّربة للوجه في التَّيمُّم غير الضَّربة لليدين. وأمَّا قول ابنِ أبي ليلى والحَسَنِ بنِ حَيٍّ فهو شذوذٌ لا سلف له، وأصحُّ مَا في حديث عَمَّارٍ أنَّه ضرب ضربةً واحدةً لكفَّيه ووجهه، رواه الثَّوْرِيُّ وأبو مُعَاوِيَةَ وجماعةٌ عنِ الأَعْمَشِ عن أبي وائلٍ، وسائر أحاديث عَمَّارٍ مختلفٌ فيها. واحتجَّ ابنُ القَصَّارِ لهذا القول فقال: إذا ضرب بيديه(8) إلى(9) الأرض فبدأ بمسح وجهه، فإلى أن يبلغ حدَّ الذَّقن لا يبقى في يديه شيءٌ من التُّراب، فإذا جاز في بعض الوجه ذلك ولم يحتج أن يعيد ضَرْبَ يديه على الأرض لم يحتج أن يضرب بيديه ليديه؛ لأنَّه ليس كالماء الَّذي مِن شرطه أن يماسَّ كلَّ جزءٍ مِن الأعضاء. قال غيره: وفيه جواز ترك التَّرتيب في التَّيمُّم؛ لأنَّه ◙ مسح كفَّيه قبل وجهه في إحدى الرِّوايات(10). /


[1] في المطبوع: ((كفَّيه)).
[2] قوله: ((شِمَالِهِ أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ)) ليس في (م).
[3] في (ص): ((بهما)).
[4] في (ص): ((يمسحها)).
[5] قوله: ((روي)) ليس في (ص).
[6] زاد في (م) والمطبوع و(ص): ((وسالم)).
[7] في (م): ((عن)).
[8] في (ص): ((بيده)).
[9] في (م): ((على)).
[10] زاد في المطبوع: ((تمَّ كتاب الطَّهارة، والحمد لله، وصلَّى الله على محمَّد وآله وصحبه)).