شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء

          ░6▒ بَابُ: الصَّعِيدِ الطَّيِّبِ وَضُوءُ المُسْلِمِ، يَكْفِيهِ(1) مِنَ المَاءِ.
          وَقَالَ الحَسَنُ(2): يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ مَا لَمْ يُحْدِثْ، وَأَمَّ ابنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ.
          وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ: لا بَأْسَ بِالصَّلاةِ على السَّبَخَةِ، وَالتَّيَمُّمِ(3).
          فيهِ: عِمْرَانُ قَالَ(4): كُنَّا في سَفَرٍ مع النَّبيِّ صلعم(5): وَإِنَّا أسْرَيْنَا(6) حتَّى كُنَّا فِي(7) آخِرِ اللَّيْلِ وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلا وَقْعَةَ أَحلَى عِنْدَ المُسَافِرِ(8) مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ(9) اسْتَيْقَظَ فُلانٌ ثمَّ فُلانٌ ثمَّ فُلانٌ(10) _يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِيَ عَوْفٌ(11)_ ثمَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ الرَّابِعُ(12)، وَكَانَ(13) النَّبِيُّ صلعم إِذَا نَامَ لَمْ نُوقظْه حتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ(14)؛ لأنَّا لا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ في نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاس _وكَانَ رَجُلًا جَلِيدًا_ فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ(15) / بِالتَّكْبِيرِ حتَّى اسْتَيْقَظَ لِصَوْتِهِ النَّبيُّ صلعم، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ وشَكَوا(16) إِلَيْهِ الَّذي أَصَابَهُمْ، قَالَ: (لا ضَيْرَ _أَوْ لا يَضِيرُ(17)_ ارْتَحِلُوا)، فَارْتَحَلَوا(18)، فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ، وَنُودِيَ بِالصَّلاةِ، فَصَلَّى بِالنَّاس، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاتِهِ إِذْ هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ القَوْمِ، فَقَالَ(19): (مَا مَنَعَكَ يَا فُلانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ القَوْمِ؟) فقَالَ(20): أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ)، ثمَّ سَارَ النَّبيُّ صلعم(21) فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ العَطَشِ، فَنَزَلَ فَدَعَا فُلانًا _كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ نَسِيَهُ عَوْفٌ(22)_ وَدَعَا عَلِيًّا، فَقَالَ: (اذْهَبَا فَابْتَغِيَا المَاءَ)، فَانْطَلَقَا فَلَقيَا(23) امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ _أَوْ سَطِيحَتَيْنِ(24)_ مِنْ مَاءٍ على بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالَا لَهَا: أَيْنَ المَاءُ؟ فقَالَتْ(25): عَهْدِي بِالمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ وَنَفَرُنَا خُلُوفًا، قَالَا لَهَا: انْطَلِقِي إِذًا، قَالَتْ: إلى أَيْنَ؟ قَالَا: إلى رَسُولِ اللهِ صلعم، قَالَتْ:(26) الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ؟ قَالَا: هُوَ الَّذِي تَعْنِيْنَ فَانْطَلِقِي، فَجَاءَا بِهَا إلى رَسُولِ اللهِ(27) صلعم وَحَدَّثَاهُ الحَدِيثَ قَالَ: (فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا)، وَدَعَا النَّبِيُّ صلعم بِإِنَاءٍ فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ المَزَادَتَيْنِ _أَوِ السَطِيحَتَيْنِ(28)_ وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا، وَأَطْلَقَ(29) العَزَالِيَ(30)، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ اسْقُوا واسْتَقُوا(31)، فَسَقَى مَنْ سَقَى، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرُ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ، قَالَ: (اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ)، وَهِيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إلى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا، وَايْمُ اللهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ(32) إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلأةً(33) مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا، فقَالَ(34) النَّبيُّ صلعم: (اجْمَعُوا(35))، فَجَمَعَ(36) لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ حتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا فَجَعَلُوهُ فِي الثَوْبِ(37) وَحَمَلُوهَا على بَعِيرِهَا وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا، قَالَ(38) لَهَا: (تَعْلَمِينَ مَا رَزِئْنَا(39) مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللهَ هُوَ(40) الَّذي سَقَانَا(41))، فَأَتَتْ أَهْلَهَا وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ، قَالُوا: مَا حَبَسَكِ يَا فُلانَةُ؟ قَالَتِ: العَجَبُ، لَقِيَنِي رَجُلانِ فَذَهَبَا بِي إلى هَذَا الرَّجُل(42) الَّذي يُقَالُ لَهُ: الصَّابِئُ، فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَوَاللهِ إِنَّهُ لأسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ _وَقَالَتْ بِإِصْبَعَيْهَا الوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ فَرَفَعَتْهُمَا إلى السَّمَاءِ تَعْنِي السَّمَاءَ وَالأرْضَ_ أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ حَقًّا، فَكَانَ المُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ(43) يُغِيرُونَ على مَنْ حَوْلَهَا مِنَ المُشْرِكِينَ وَلا يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذي هِيَ مِنْهُ(44)، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا: مَا أُرَى(45) أَنَّ هَؤُلاءِ القَوْمَ يَدْعُونَكُمْ عَمْدًا، فَهَلْ لَكُمْ فِي الإسْلامِ؟ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الإسْلامِ. [خ¦344]
          قال المُهَلَّبُ: قوله صلعم للجُنُب: (عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ مِنَ المَاءِ)، فيحتمل أن يكفيه ما لم يُحدث إذا لم يجد ماءً(46) كما يكفيه الوضوء، وإنَّما قال أهل العِلم(47): إنَّه يتيمَّم لكلِّ صلاةٍ خوفًا أن يضيع طلب الماء ويتَّكل(48) على التَّيمُّم ويأنسوا إلى الأخفِّ، ويحتمل أنْ يكفيه لتلك الصَّلاة وحدها؛ لأنَّها هي الَّتي يُستباح فيها خوف فوات وقتها. واختلف العلماء في ذلك فقالت طائفةٌ: يُصَلِّي بالتَّيمُّم ما لم يُحدث جميع الصَّلوات، ورُوِيَ(49) ذلك عن عَطَاءٍ والحَسَنِ البَصْرِيِّ والنَّخَعِيِّ والزُّهْرِيِّ والثَّوْرِيِّ والكوفيين. وقالت طائفةٌ: لا يُصَلِّي بالتَّيمُّم إلَّا صلاةً واحدةُ، وعليه أن يتيمَّم لكلِّ صلاةٍ، رُوِيَ ذلك(50) عن عليٍّ وابنِ عُمَرَ وعَمْرِو بنِ العَاصِ(51) وابنِ عَبَّاسٍ وسَعِيْدِ بنِ المُسَيَّبَ والشَّعْبِيِّ ومَكْحُولٍ ورَبِيْعَةَ، وهو قول مالكٍ واللَّيْثِ والشَّافعيِّ وأحمدَ وإِسْحَاقَ. وفيها قولٌ ثالثٌ: أنَّ من صلَّى الصَّلوات في أوقاتهنَّ(52) يتيمَّم لكلِّ صلاةٍ، وإذا فاتته صلوات صلَّاها بتيمُّمٍ واحدٍ، رُوِيَ هذا عن مالكٍ، وهو قول أبي ثَوْرٍ. واحتجَّ الكوفيُّون فقالوا: التَّيمُّم مرتبٌ على الوضوء، فلمَّا قامت الدَّلالة على أنَّه يصلِّي صلواتٍ كثيرةً بوضوءٍ واحدٍ، كان التَّيمُّم مثله. وحجَّة مَن أوجب التَّيمُّم لكلِّ صلاةٍ، قالوا: إنَّ الله تعالى أوجب على كلِّ قائمٍ إلى الصَّلاة طلب الماء لقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}[النساء:43]، وحقيقة هذا أنَّه لا يُقَال لمن لم يطلب الشَّيء لم يجده، وأوجب عند عدمه التَّيمُّم عند دُخُول وقت صلاةٍ أخرى مثل ما عليه في الأولى، وليستِ الطَّهارة بالصَّعيد مثل طهارة الماء(53) وإنَّما هي طهارةُ ضرورةٍ لاستباحة الصَّلاة قبل خُرُوج الوقت بدليل بطلانها(54) بوجود الماء قبل الصَّلاة، وأنَّ الجُنُب يعود جُنُبًا بعدها إذا وجد الماء، والوضوء بالماء لا يبطل، فلذلك(55) أمر مَن صلَّى به(56) يطلب(57) الماء لصلاةٍ أخرى. وقال إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ: المتيمِّم لا يشبه المتوضِّئ؛ لأنَّ المتوضِّئ له أن يتوضَّأ للصَّلاة قبل وقتها، / والمتيمِّم لا يجوز له ذلك، فإذا لم يجوز(58) له أنْ يتيمَّم للعصر حتَّى يدخل وقتها، وجب أنْ لا يكون(59) التَّيمُّم للعصر يجزئ(60) للمغرب إذ كان متيمِّمًا لها قبل وقتها؛ لأنَّ العلَّة المانعة(61) من التَّيمُّم للعصر قبل وقتها هي المانعة له من(62) المغرب. وأمَّا إمامة المتيمِّم للمتوضِّئين، فهو قول مالكٍ وأبي حنيفةَ وأبي يُوسُفَ وزُفَرَ والثَّوْرِيِّ والشَّافعيِّ. وقال الأوزاعيُّ ومحمَّدُ بنُ الحَسَنِ: لا يؤمُّ متيمِّمٌ متوضِّئًا، ورُوِيَ ذلك عن عليٍّ و(63) النَّخَعِيِّ. واحتَجَّ مالكٌ في ذلك، فقال: من قام إلى الصَّلاة ولم(64) يجد ماءً فتيمَّم(65) فقد أطاع الله(66)، وليس الَّذي وجد الماء بأطهر منه ولا أتمِّ صلاةً؛ لأنَّهما أُمرا جميعًا فكُلٌّ عَمِلَ بما أمرَه الله. وحجَّة الأوزاعيِّ: أنَّ شأن الإمامة الكمال، ومعلومٌ أنَّ الطَّهارة بالصَّعيد طهارةُ ضرورةٍ كما تقدَّم، فأشبهتْ صلاةَ القاعدِ المريضِ يؤمُّ قيامًا، والأمِّيَّ يؤمُّ مَن يحسن القراءة(67). وأمَّا التَّيمُّم بالسَّبخة فهو قول جميع(68) العلماء على ظاهر قوله صلعم: ((جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُوْرًا))، فدخل فيه السَّبخة وغيرها. وخالف ذلك إِسْحَاقُ بنُ راهويه، فقال: لا يُجزئه(69) التَّيمُّم بالسَّبخة. قال المُهَلَّبُ: في حديث المزادتين مِن الفِقْهِ: أنَّ النَّبيَّ صلعم قد نام كنوم(70) البشر في بعض الأوقات، إلَّا أنَّه لا يجوز عليه الأضغاث لقوله صلعم: ((رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ)). وفيه:(71) أنَّ الأمور يحكم لها(72) بالأعمِّ لقوله(73): ((كُنَّا لَا نُوقِظُ النَّبيَّ صلعم لأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَا يَحْدُثُ لَهُ في نَوْمِهِ))، وقد يحدث له وحيٌ أو لا يحدث، فحكموا بالأعمِّ كما حكم على النَّائم غيره بحكم الحدث، وقد يكون الحدث وقد(74) لا يكون. وفيه: التَّأدُّب في إيقاظ(75) السِّيد كما فعل عُمَرُ؛ لأنَّه لم يُوقِظِ النَّبيَّ صلعم بالنِّداء، بل أيقظه(76) بذكر الله ╡ إذ علم عُمَرُ أنَّ أمر الله يحثُّه على القيام. وفيه: أنَّ عُمَرَ أجلدُ المسلمين كلِّهم وأصلبُهم في أمر الله تعالى. وفيه: أنَّ من حَلَّت به(77) فتنةٌ في بلدٍ فليخرج عنه وليهرب مِن(78) الفتنة بدينه كما فعل النَّبيُّ صلعم بارتحاله عن بطن الوادي الَّذي تشاءم به لمَّا فتنهم فيه(79) الشَّيطان. وفيه: أنَّ مَن ذكر صلاةً أنَّ له أن يأخذ فيما يصلحه لصلاته مِن طهورٍ ووضوءٍ، وانتقاء البقعة التي تطيِّب عليها نفسه للصَّلاة، كما فعل النَّبيُّ صلعم بعد أنْ ذكر الصَّلاة الفائتة، فارتحل بعد الذِّكر ثمَّ توضَّأ وتوضَّأ النَّاس، وهذا لا يتمُّ إلَّا في مهلةٍ، ثمَّ أذَّن واجتمع النَّاس وصلَّوا(80). وفيه: ردٌ لقول(81) عيسى بنِ دِيْنَارٍ أنَّ حديث الوادي هذا وتأخير النَّبيِّ صلعم عن(82) المبادرة بالصَّلاة في الوادي قبل أن يرتحل(83) منسوخٌ بقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}[طه:14]؛ لأنَّه صلعم لما(84) خَرَجَ عن الوادي وصلَّى خطبهم مؤنسًا لهم ممَّا(85) عرض لهم، فقال: ((إِنَّ اللهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا، وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا(86) في حِيْنِ الصَّلاة، ولَكِنْ مَنْ فَاتَتْهُ صلاةٌ أو نَسِيَهَا فليُصَلِّها إذا ذَكَرَهَا، فإنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}))، فاحتجَّ النَّبيُّ صلعم بالآية على فعله وآنس القوم بذلك، وأشار لهم إلى قوله ╡ المعروف عندهم، فكيف يكون ما نزَّل الله قبل(87) ناسخًا لما كان بعد؟ إنَّما ينسخ الآخر الأوَّل، وهذه الآية نزلت بمكَّة وهذه القصَّة عرضت بعد الهجرة. وفيه من الفِقْهِ: أنَّ من فاتتهم صلاةٌ بمعنًى واحدٍ أنَّ لهم أن يجمعوها إذا ذكروها بعد خروج وقتها، وأنَّ تأخُّر(88) المبادرة إليها لا يمنع الإنسان أن يكون ذاكرًا لها وأنَّه(89) يُعيدها. وفيه: طلب الماء للشُّرب والوضوء والبعثة فيه. وفيه: أنَّ الحاجة إلى الماء إذا اشتدَّت أن يُؤخذ حيث وُجد ويعوَّض صاحبه منه كما عُوِّضت المرأة. وفيه: مِن دلائل النُّبوَّة ومعجزات الرَّسول صلعم أن توضَّأ أهل الجيش وشربوا واغتسل من كان جُنُبًا مما سقط مِن العزالي، وبقيت المزادتان مملوءتين ببركته صلعم وعظيم برهانه. وفيه: مراعاة ذمام الكافر والمحافظة به كما حفظ النَّبيُّ صلعم هذه المرأة في قومها وبلادها، فراعى في قومها ذِمامها وإن كانت من صميمهم فهي مِن أدناهم، وكان تركُ الغارة على قومها سببًا لإسلامها وإسلامهم وسعادتهم. وفيه: بيان مقدار الانتفاع بالاستئلاف على الإسلام؛ لأنَّ(90) قعودهم عن(91) الغارة على قومها كان استئلافًا لهم، فعلم القوم قدر ذلك وبادروا إلى الإسلام رعايةً(92) لذلك الحقِّ.
          وقولها(93): (وَنَفَرُنَا خُلُوفٌ) قال الخَطَّابيُّ: يُقال: الحيُّ خلوفٌ إذا غابوا وخلَّفوا أثقالهم وخرجوا في رعيٍ أو سقيٍ أو نحوه، ويُقال: خلف(94) الرَّجُل إذا استقى الماء واستخلف مثله، وأنشد الفَرَّاءُ: /
وَبَهْمَـاءَ(95) يَسْـَتـافُ التَّـرَابَ دَلِيْلُهَـا                      وليـسَ بهـا إلَّا اليمانـيُّ مُـْخِلُـف
          يقول: إنَّهم إذا عطشوا بقروا بالسُّيوف بطون الإبل فشربوا ما في أكراشها، ويُقال للقطا: المخلفات؛ لأنَّها تستقي لأولادها الماء وتخلف. وقال أبو عُبَيْدٍ: الحيُّ خلوفٌ: غُيَّبٌ وحضورٌ، ومنه قوله تعالى: {رَضُوا بِأَن يكُوْنُوا مَعَ الخَوَالِفِ}[التَّوبة:93]أي النِّساء. وأنشد في العيب:
أصبـحَ البيتُ بيـت آل بيان                      مقشعـرًا والـحَـيُّ(96) حـي خلـوف
          أي لم يبقَ منهم أحدٌ.
          والعزالي: جمع عزلاء، والعزلاء: فم المزادة الأسفل، عن أبي عُبَيْدٍ.
          قال(97) صاحب «العين»: العزلاء مصبُّ الماء من الرَّاوية، وكذلك عزلاء القربة، وبذلك سُمِّيت(98) عزلاء السَّحاب. والصِّرْمُ: النَّفر ينزلون بأهليهم على الماء. يُقال: هم أهل صرم، والجمع أصرام.
          فأمَّا الصِّرْمَة _بالهاء_ فالقطعة مِن الإبل نحو الثَّلاثين، عن الخَطَّابيِّ.


[1] قوله: ((يكفيه)) ليس في (ص).
[2] زاد في المطبوع و(ص): ((وابن عبَّاس)).
[3] زاد في المطبوع و(م) و(ص): ((بها)).
[4] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[5] في (م): ((كنَّا مع النَّبيِّ صلعم في سفرٍ)).
[6] في (ص): ((سرينا)).
[7] قوله: ((في)) ليس في (م).
[8] في المطبوع و(ص): ((ولا وقعة عند المسافر أحلى)).
[9] قوله: ((وكان أوَّل من)) ليس في (م)، وبعدها في (م): ((فاستيقظ فلان وفلان وفلان)).
[10] قوله: ((ثم فلان)) ليس في (ص).
[11] قوله: ((يسمِّيهم أبو رجاء فنسي عوف)) ليس في (م).
[12] قوله: ((الرَّابع)) ليس في (م).
[13] في (ص): ((كان)).
[14] في المطبوع و(ص): ((المستيقظ)).
[15] قوله: ((فما زال يكبر ويرفع صوته)) ليس في (م).
[16] في (ص): ((شكوا)).
[17] قوله: ((أو لا يضير)) ليس في (م).
[18] في (م): ((فارتحل)).
[19] في (م): ((قال)).
[20] في (ص): ((قال)).
[21] في (ص): ((سار ◙)).
[22] قوله ((كان يسمِّيه أبو رجاء نسيه عوف)) ليس في (م).
[23] في (م): ((فتلقيا)).
[24] في (ص): ((وسطيحتين)).
[25] في (ص): ((قالت)).
[26] زاد في (م): ((إلى)).
[27] في (م): ((فجاءا بها النَّبيَّ)).
[28] قوله ((أو السَّطيحتين)) ليس في (م).
[29] في (ص): ((وانطلق)).
[30] العزلاء: فم المزادة الأسفل، والجمع عزالي. السفلالقال في «الصِّحاح»: العزالي بكسر اللَّام وإن شئت فتحت، مثل الصَّحارى والصَّحاري.
[31] في المطبوع: ((استقوا واسقوا)).
[32] في (م): ((ليحمل)). في (ص): ((يتخيل)).
[33] في (م): ((ملمة)). في (ص): ((ملئة)).
[34] في (ص): ((قال)).
[35] زاد في (م) والمطبوع و(ص): ((لها)).
[36] في (م): ((فجمعوا)).
[37] في (م): ((ثوب)).
[38] في (م): ((وقالوا)).
[39] في (م): ((أرزئنا)).
[40] قوله: ((هو)) ليس في (ص).
[41] في (م): ((أسقانا)).
[42] قوله ((الرَّجل)) ليس في (م).
[43] قوله ((ذلك)) ليس في (م).
[44] في (م): ((منه)).
[45] في (م): ((أدري)).
[46] في (م): ((الماء)).
[47] في (م): ((قال النَّاس)).
[48] في (م): ((يضيعوا طلب الماء ويتَّكلوا)).
[49] في (م): ((روي)).
[50] في (م): ((هذا)).
[51] في (م): ((العاصي)).
[52] في (م): ((أوقاتها)).
[53] في (م) والمطبوع: ((مثل الطَّهارة بالماء)).
[54] في (ص): ((بطلانه)).
[55] في (ص): ((فكذلك)).
[56] في (م): ((بها))، وزاد في المطبوع: ((أن)).
[57] في (م): ((بطلب)).
[58] في (م) والمطبوع: ((يجز)).
[59] في (م) و(ص): ((وجب أن يكون)).
[60] في (م) نسخة: ((لا يجزئ)).
[61] زاد في (م): ((له)).
[62] في (م): ((في)).
[63] زاد في (م): ((عن)).
[64] في المطبوع و(ص): ((فلم)).
[65] قوله: ((فتيمم)) ليس في (ص).
[66] زاد في (م): ((تعالى)).
[67] في (م): ((يؤم قارئًا)).
[68] في المطبوع: ((جماعة)).
[69] في (م): ((لا يجزئ)).
[70] في (م): ((قد ينام مثل نوم))، وفي المطبوع: ((قد ينام كنوم)).
[71] زاد في (م): ((دليل)).
[72] في (م) والمطبوع و(ص): ((فيها)).
[73] قوله ((لقوله)) ليس في (م).
[74] في المطبوع و(ص): ((أو)).
[75] في (م): ((بإيقاظ)).
[76] في (م): ((أوقظه)).
[77] في (م): ((فيه)).
[78] في (م): ((عن)).
[79] في (ص): ((فيه)) غير واضح.
[80] في (ص): ((فارتحل بعد الذِّكر، وهذا لا يتمُّ إلَّا في مهلةٍ، ثمَّ توضَّأ وتوضَّأ النَّاس وصلَّوا)).
[81] في (م): ((قول)).
[82] قوله ((عن)) ليس في (م).
[83] في (م): ((يرتحلوا)).
[84] زاد في (م): ((أن)).
[85] في (م): ((فيما)).
[86] زاد في (م): ((إلينا)).
[87] في (م): ((ما نزل قبل)).
[88] في (م) والمطبوع و(ص): ((تأخير)).
[89] في المطبوع و(ص): ((وأن)).
[90] زاد في (ص): ((من)).
[91] في (ص): ((على)).
[92] في (م): ((لرعاية لذلك)).
[93] في المطبوع و(ص): ((وقوله)).
[94] في المطبوع و(م) و(ص): ((أخلف)).
[95] في (م) صورتها: ((ربها)).
[96] في (م): ((مقشعرًا رأى الحي)).
[97] في (م): ((وقال)).
[98] في (م): ((شبهت)).