شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب التيمم للوجه والكفين

          ░5▒ بَابُ: التَّيَمُّمِ لِلوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ.
          فيهِ: عَمَّارٌ، قَالَ لعُمَرَ: تَمَعَّكْتُ فَأَتَيْتُ النَّبيَّ صلعم قَالَ: (يَكْفِيكَ الوَجْهُ وَالكَفَّانِ). [خ¦341]
          وقَالَ عَمَّارٌ مرَّةً: (فَضَرَبَ النَّبيُّ صلعم بِيَديهِ الأرْضَ فَتَفَلَ(1) فِيْهِمَا فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ). [خ¦343]
          اختلف العلماء في حدِّ مسح الكفَّين في التَّيمُّم، فقال قومٌ: هو إلى الكوعين(2)، رُوِيَ هذا عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ وسَعِيْدِ بنِ المُسَيَّبِ والأَعْمَشَ وعَطَاءٍ، وهو قول الأوزاعيِّ وأحمدَ وإِسْحَاقَ. وروى ابنُ القَاسِمِ عن مالكٍ أنَّه إن تيمَّم إلى الكوعين أعاد في الوقت وهذا يدلُّ أنَّ التَّيمُّم إلى المرفقين مستحبٌّ عنده. وقال قومٌ: التَّيمُّم إلى المرفقين، رُوِيَ هذا عن ابنِ عُمَرَ وجابرٍ والنَّخَعِيِّ والحَسَنِ، وهو قول مالكٍ وأبي حنيفةَ وأصحابِهِ والثَّوْرِيِّ واللَّيْثِ والشَّافعيِّ، قالوا: لا يجزئه إلَّا ضربتان ضربةٌ للوجه وضربةٌ لليدين إلى المرفقين، ولا يجزئه(3) دون المرفقين. وقال الزُّهْرِيُّ: هو إلى الآباط، واحتجَّ الزُّهْرِيُّ(4) بما رواه عن عُبَيْدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ عن أبيه عن عَمَّارِ بنِ ياسرٍ قال: ((تَيَمَّمْنا مَعَ رَسُول الله صلعم إلى المناكب))، رواه جُوَيْرِيَةُ عن مالكٍ عن ابنِ شِهَابٍ. وحجَّةُ من ذهب إلى أنَّ المراد مسحهما إلى المرفقين بما(5) رواه الثَّوْرِيُّ عن سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ عن أبي مالكٍ عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ أَبْزَى(6) عن عَمَّارِ بنِ ياسرٍ(7) عن(8) النَّبيِّ صلعم قَالَ لَهُ: ((إنَّمَا كَانَ يَكْفِيْكَ هَكَذَا، وَضَرَب بِيَدِيْهِ، ثمَّ نَفَخَهُمَا وَمَسَحَهُمَا بِوَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ وَذِرَاعَيْهِ إِلَى(9) نِصْفِهِمَا(10))). وأنصاف الذِّراعين عندهم هو نهاية المرفقين، ومن جهة(11) النَّظر أنَّ التَّيمُّم بدلٌ مِن الوضوء، ولمَّا أجمعوا أنَّ الوضوء إلى المرفقين وجب أن يكون التَّيمُّم كذلك. وكان مِن حجَّة مَن ذهب إلى أنَّ المسح إلى الكوعين قوله ╡: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة:38]، قال ابنُ القَصَّارِ: واسم اليد تختصُّ(12) إلى الكوعين لقطع النَّبيِّ صلعم والمسلمين بعده من الكوع مع إطلاق اسم اليد في الآية، والحكم إذا تعلَّق بما هذه صفته تعلَّق بأوَّل الاسم وأخصِّهِ. واحتجُّوا مِن الأثر بقوله في حديث عَمَّارٍ: ((أَنَّ النَّبيَّ صلعم ضَرَبَ بِيَدِهِ(13) الأَرْضَ ثمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ)). قالوا: وهذا توقيفٌ من النَّبيِّ صلعم لعَمَّارٍ على المراد مِن قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُم منْهُ}[المائدة:6]يرفع الإشكال. ويدلُّ على ذلك أيضًا حديث أبي جُهَيْمٍ: ((حِيْنَ تَيَمَّمَ النَّبيُّ عَلَى الجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدِيْهِ(14)))، وما رُوِيَ أنَّه مسح الذِّراعين إلى المرافق(15) فنحمله على الاستحباب، وأمَّا التَّيمُّم إلى المناكب فالأمَّة في جميع الأعصار(16) على خلافه. قال الطَّحَاوِيُّ: لم(17) يرو عن أحدٍ من المتقدِّمين غير ابنِ شِهَابٍ، وليس في حديث ابنِ شِهَابٍ عن عَمَّارٍ أنَّ النَّبيَّ ◙ أمرهم(18) بالتَّيمُّم إلى المناكب، ولا أنَّه تيمَّم هو كذلك فيكون فيه حجَّة، بل الآثار أنَّه ◙ تيمَّم إلى الكوعين وإلى المرفقين. قال الطَّحَاوِيُّ: وأمَّا النَّظر في ذلك فرأينا التَّيمُّم قد(19) أسقط عن بعض أعضاء الوضوء، وهو الرأس والرِّجْلَان، فكان التَّيمُّم على بعض ما عليه الوضوء، فبطل بذلك قول من قال: إنَّه إلى المناكب؛ لأنَّه لمَّا بطل عن الرَّأس والرِّجْلَين وهما ممَّا يوضَّآن(20) كان أحرى ألا يجب على ما لا يوضَّأ(21).


[1] في (م): ((وتفل)).
[2] في (م): ((هو على الكفَّين إلى الكوعين)).
[3] في (م): ((ولا يجوز)).
[4] قوله: ((الزُّهْرِي)) ليس في (م).
[5] في (م): ((ما))، وفي المطبوع و(ص): ((فما)).
[6] قوله: ((بن أبزى)) ليس في (م).
[7] قوله: ((ابن ياسر)) ليس في (ص).
[8] في (م): ((أنَّ)).
[9] قوله: ((إلى)) ليس في (ص).
[10] في المطبوع: ((نصفيهما)).
[11] في (ص): ((حجة)).
[12] في المطبوع و(ص): ((تخصيص)).
[13] في (م) و(ص): ((بيديه)).
[14] قوله ((ويدلُّ على ذلك أيضًا حديث أبي جُهَيْمٍ: «حين تيمَّم النَّبيُّ على الجدار فمسح وجهه»)) ليس في (م)، وفي (م) بدلها: ((وكذلك مسح ◙ وجهه ويديه في حديث بئر جمل)).
[15] قوله ((إلى المرافق)) ليس في (م)، وفي (م) بدها ((نحمله)).
[16] في (م) والمطبوع و(ص): ((الأمصار)).
[17] في المطبوع و(م) و(ص): ((ولم)).
[18] في (م): ((وليس في الحديث أن رَسُول الله صلعم أمرهم)).
[19] قوله ((قد)) ليس في (م).
[20] في المطبوع و(ص): ((يتوضَّآن))، وفي (م): ((يوضَّآ)).
[21] في المطبوع و(ص): ((يتوضَّأ)).