شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {أو تحرير رقبة} وأي الرقاب أزكى؟

          ░6▒ بَابُ قَوْلِ اللهِ ╡: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}[النِّساء:92]وَأَيُّ الرِّقَابِ أَزْكَى؟
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم: (مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ(1)). [خ¦6715]
          اختلفَ العلماءُ في عتقِ غيرِ المؤمنةِ في كفَّارةِ اليمينِ، فقالَ مالكٌ والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ: لا تُجزِئُ إلَّا رقبةٌ(2) مؤمنةٌ، وأجازَ عَطَاءُ بنُ أبي رَبَاحٍ عتقَ غيرِ المؤمنةِ، وهوَ قولُ الكوفيِّينَ وأبي ثَوْرٍ، واحتَجَّ الكوفيُّونَ بأنَّ(3) اللهَ إنَّما شَرَطَ الرَّقبةَ المؤمنةَ في كفَّارةِ قتلِ الخطأِ خاصَّةً، ولم يشترطِ المؤمنةَ في كفَّارةِ اليمينِ باللهِ ولا في كفَّارةِ الظِّهَارِ فلا يجبُ أنْ يتعدَّى بالمؤمنةِ غيرَ الموضعِ الَّذي ذكرَها اللهُ ╡(4).
          قالَ الطَّحَاوِيُّ: فلا تُقَاسُ الرَّقبةُ على الرَّقبةِ كما لمْ يُقَسِ الصَّومُ المطلقُ على المتتابعِ، وكما لمْ يُجعَلِ الإطعامَ في / القتلِ بدلًا مِنَ الصَّومِ قياسًا على الظِّهَارِ.
          وحُجَّةُ القولِ الأوَّلِ أنَّ اللهَ تعالى لمَّا شَرَطَ في كفَّارةِ قتلِ الخطأِ الرَّقبةَ المؤمنةَ وكانَتْ كفَّارةً ثمَّ ذكرَ في كفَّارةِ اليمينِ وكفَّارةِ الظِّهَارِ رقبةً ولمْ يذكرْ(5) مؤمنةً ولا غيرَ مؤمنةٍ، وكانَتْ كفَّارات كلُّها وَجَبَ اعتبارُ(6) المؤمنةِ في كلِّ موضعٍ، ألا تَرَى أنَّ اللهَ تعالى شَرَطَ العدالةَ في الشَّهادةِ بقولِه تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء}[البقرة:282]ثمَّ قَالَ في موضعٍ آخرَ: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}[البقرة:282]ولمْ يختلفِ العلماءُ أنَّ العدالةَ مِنْ شرطِ الإشهادِ في التَّبايعِ، وَجَبَ أنْ يكونَ مثل ذلكَ في الرَّقبةِ، وهذا عندَهم مِنْ بابِ المجملِ الَّذي يقضي عليه المُفَسَّرُ، فلمَّا فَسَّرَ أمرَ الرَّقبةِ في الموضعِ الواحدِ استغنى عَنْ إعادتِها في كلِّ موضعٍ، ألا تَرَى أنَّ النَّبيَّ صلعم إنَّما حَضَّ على عتقِ المؤمنِ لأنَّه(7) أزكى وأطهرُ، ولمْ يختلفِ العلماءُ في جوازِ عتقِ الكافرِ في التَّطَوُّعِ، واحتَجَّ مالكٌ في ذلكَ بقولِ اللهِ تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}(8)[محمَّد:4]فالمَنُّ العتق للمشركينَ، وقدْ مَنَّ رَسُولُ اللهِ صلعم على جماعةٍ منهم.


[1] في (ص): ((بفرجها)).
[2] في المطبوع: ((برقبة)).
[3] في (ص): ((أنَّ)).
[4] زاد في (ص): ((فيه)).
[5] العبارة في (ص): ((قياسًا على المذهب... قوله: ومن لم يمت فذلك استعارة قتل الخطأ الرَّقبة المؤمنة وكانت كفَّارة اليمين صوم ثلاثة أيَّامٍ... ظهار رقبة ولم يذكر)).
[6] في (ص): ((اعتبار)) غير واضحة.
[7] في (ز): ((المؤمنين لأنَّهم)).
[8] قوله: (({فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً})) ليس في (ص).