شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قوله تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم}

          ░2▒ بَابُ قَوْلِهِ تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}[التَّحريم:2]ومَتَى تَجِبُ الكَفَّارَةُ عَلَى الغَنِيِّ وَالفَقِيرِ.
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صلعم فَقَالَ: هَلَكْتُ، قَالَ(1): مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ على امْرَأَتِي في رَمَضَانَ، قَالَ: تَسْتَطِيعُ أَنْ(2) تُعْتِقَ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ(3): فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ(4): فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: اجْلِسْ فَجَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبيُّ بِعِذْقٍ فِيهِ تَمْرٌ _وَالعِذْقُ المِكْتَلُ_ قَالَ: خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ)(5) الحديثَ. [خ¦6709]
          أرادَ البخاريُّ ☼ أنْ يُعَرِّفَكَ أنَّ الكفَّارةَ تجبُ بعدَ الحنثِ وانتهاكِ الذَّنبِ، وستأتي مذاهبُ العلماءِ في الكفَّارةِ قبلَ الحنثِ أوْ بعدَه(6) بعدَ هذا إنْ شاءَ اللهُ تعالى [خ¦6721]، وقدْ تَقَدَّمَ ما للعلماءِ في الفقيرِ تجبُ عليهِ الكفَّارةُ ولا يجدُ ما(7) يُكَفِّرُ، هلْ تسقطُ عنهُ أوْ تبقى في ذِمَّتِه إلى حالِ يُسرِه في كتابِ الصِّيَامِ(8) [خ¦1936].
          واستَدَلَّ مالكٌ والشَّافعيُّ بهذا الحديثِ أنَّ الإطعامَ في كفَّاراتِ(9) الأَيمانِ مُدٌّ لكلِّ مسكينٍ، لأنَّ المِكْتَلَ الَّذي أُتِيَ بِه النَّبيُّ صلعم وقالَ للوَاطِئِ: خُذْه فتَصَدَّقْ بِه، كانَ فيهِ خمسةَ عشرَ صاعًا، وذلكَ سِتُّونَ مُدًّا، فالَّذي يصيبُ كلَّ مسكينٍ منهم مُدٌّ(10).
          وزَعَمَ الكوفيُّونَ أنَّه قدْ يجوزُ أنْ يكونَ النَّبيُّ صلعم لمَّا عَلِمَ حاجةَ الرَّجُلِ أعطاهُ المِكْتَلَ مِنَ التَّمرِ بالخمسةِ عشرَ صاعًا ليستعينَ بِه فيما وَجَبَ عليهِ لا على أنَّه جميعُ ما وَجَبَ عليهِ، كالرَّجُلِ يشكُو إلى الرَّجُلِ ضعفَ حالِه وما عليهِ مِنَ الدَّينِ فيقولُ لَه: خُذْ هذه العشرةَ دراهمٍ اقضِ(11) بها دَينَك، ليسَ على أنَّها تكونُ قضاءً عَنْ(12) جميعِ دَيْنِه، ولكنْ على أنْ تكونَ قضاءً لمقدارِها مِنْ دَيْنِه.
          وهذه دعوى لا دليلَ عليها إلَّا الظَّنَّ والظَّنُّ لا يُغني مِنَ الحقِّ شيئًا، وقولُ مالكٍ أولى بالصَّوابِ، وهوَ ظاهرُ الحديثِ، لأنَّ النَّبيَّ صلعم لمْ يذكرْ لَه(13) مقدارَ ما تَبَّقَى عليهِ مِنَ الكفَّارةِ بعدَ الخمسةِ عشرَ صاعًا(14)، ولمْ يكن يسعه السُّكوت على(15) ذلكَ حتَّى يُبَيِّنَه لأنَّه ◙ بُعِثَ مُعَلِّمًا.


[1] في (ص): ((فقال)).
[2] قوله: ((أنْ)) ليس في (ص).
[3] زاد في (ص): ((فهل)).
[4] قوله: ((قال)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((فَجَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبيُّ بِعَذَقٍ فِيهِ تَمْرٌ _وَالعَذَقُ المِكْتَلُ_ قَالَ: خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ)) ليس في (ز).
[6] في (ز): ((وبعده)).
[7] في (ز): ((بما)).
[8] زاد في (ز): ((فأغنى عن إعادته)).
[9] في (ص): ((كفَّارة)).
[10] في (ز): ((مدٌّ)) تكرر.
[11] في (ص): ((فاقض)).
[12] في (ص): ((من)).
[13] قوله: ((له)) ليس في (ص).
[14] في (ز): ((بعد الصَّاع)).
[15] في (ص): ((عن)).