عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع
  
              

          2379- (ص) أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: «مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ، وَمَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ؛ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ».
          (ش) مطابقته للترجمة مِن حيث إنَّهُ يوضِّح الإبهام الذي فيها، بيانُ ذلك: أنَّ الذي اشترى نخلًا بعد التأبير تكون ثمرتها للبائع، ثُمَّ ليس للمشتري أن يمنعَ البائع مِنَ الدخول في النخل؛ لأنَّ له حقًّا لا يصل إليه إلَّا بالدخول؛ وهو سقي النخل وإصلاحها.
          قوله: (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) أي: المشتري بأن تكون الثمرة له، فحينئذٍ لا يبقى للبائع حقٌّ أصلًا، والكلام مع الحديث قد مضى في (كتاب البيوع) مفصَّلًا في (باب / مَن باع نخلًا قد أُبِّرت).
          (ص) وعنْ مالِكٍ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عنْ عُمَرَ في العَبْدِ.
          (ش) قال الكَرْمَانِيُّ: ولفظ: «عَن مالكٍ» إمَّا تعليق مِنَ البُخَاريِّ، وإمَّا عطف على حديث الليث؛ أي: روى عمر الحديث في شأنِ العبد، أو قال عمر في العبد: إنَّ ماله لبائعه، أو أراد لفظ: «في العبد» بعد «إلَّا أن يشترط المبتاع»، وقال بعضهم: «وَعَنْ مَالِكٍ» هو معطوف على قوله: «حَدَّثَنَا اللَّيْثُ» فهو موصولٌ، والتقدير: وحدَّثنا عبد الله بن يُوسُف عَن مالكٍ، وزعم بعض الشُّرَّاح أنَّهُ معلَّق، وليس كذلك، وقد وصله أبو داود مِن حديث مالكٍ عَن نافعٍ عَن ابن عُمَر في النخل مرفوعًا، وعَن نافعٍ عن ابن عُمر في العبد.
          قُلْت: إن أراد هذا القائل بقوله: (وزعم بعض الشرَّاح أنَّهُ معلَّق) أنَّهُ الكَرْمَانِيُّ؛ فَالكَرْمَانِيُّ لم يزعم أنَّهُ معلَّقٌ، بل تردَّد فيه على ما ذكرنا، ولئن سلَّمنا أنَّهُ زعمَ فزعمُه بحسب الظاهر صحيحٌ؛ لأنَّ التقدير الذي قدَّره هذا القائل خلاف الظاهر، ويؤكِّد زعمه بعد التسليم قول هذا القائل: (وقد وصله أبو داود...) إلى آخره، والكَرْمَانِيُّ لم ينفِ أصل الوصل في نفس الحديث، بل زَعَمَ بحسب الظاهر أنَّ البُخَاريَّ لم يوصله، ووصلُ أبي داود هذا لا يستلزم وصل البُخَاريِّ، ولئن سلَّمنا أنَّهُ موصولٌ مِن جهة البُخَاريِّ فماذا يدلُّ عليه ههنا؟ فهذا المقام مقام نظرٍ وتأمُّل، وليس مقام المجازفة، وقال صاحب «التوضيح»: قال الداوديُّ في حديث مالكٍ عَن نافعٍ عن ابن عُمَر في الثمرة: إنَّما رواه عن عُمَر، وهو وهمٌ مِن نافع، والصحيح ما رواه ابن شهابٍ عن سالم عن أبيه عَن رسول الله صلعم في العبد والثمرة، واعترض ابن التِّين فقال: لا أدري مِن أين أدخل الداوديُّ الوهم على نافعٍ؟! وما المانع منه أن يكون عمر قال ما تَقَدَّمَ مِن قوله صلعم ؟!