عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى
  
              

          ░25▒ (ص) بابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى.
          (ش) أي: هذا باب في بيان ما جاء في التنفُّل أنَّهُ يُصلَّى مَثَنى مَثَنَى؛ يعني: ركعتين ركعتين، كلُّ ركعتين بتسليمة، و(مَثْنَى) الثاني تأكيدٌ؛ لأنَّه داخلٌ في حَدِّه؛ إذ معناه: اثنين اثنين، وعن هذا قالوا: إنَّ (مثَنَى) معدولٌ عنِ اثنين، ففيه العدلُ والصفة، ثُمَّ إطلاق قوله: (مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى) يتناول تطوُّع الليل وتطوُّع النهار، وقد وقع في أكثر النُّسَخ هذا الباب بعد (باب ما يقرأ في رَكْعَتَي الفجر) لأنَّ الأبواب المتعلِّقة برَكْعَتَي الفجر ستَّة أبواب أوَّلُها (باب المداومة على رَكْعَتَي الفجر) وآخرها (باب ما يقرأ في رَكْعَتَي الفجر).
          وذِكْرُ هذه الستَّة متواليةً هو الأنسب، ولكن وقع هذا الباب _أعني: (باب ما جاء في التطوُّع مَثنى مثنى) _ بين هذه الأبواب الستَّة في بعض النُّسَخ، قيل: الظاهر أنَّ ذلك وقع مِن بعض الرُّواة.
          قُلْت: لم يُراعِ البُخَاريُّ الترتيبَ بين أكثرِ الأبواب في غيرِ هذا الموضِع، وهذا أيضًا مِن ذلك، وليس يتعلَّق بمراعاة ترتيبِ الأبوابِ جُلُّ المقصود.
          (ص) قالَ مُحَمَّد: وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عَمَّارٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَنَسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالزُّهْريِّ.
          (ش) قوله: (قالَ مُحَمَّد) هو البُخَاريُّ نفسه.
          قوله: (ذَلِكَ) إشارة إلى ما ذكره مِن قوله: (ما جاء في التطوُّع مَثنَى مَثنَى).
          وقد ذَكَر هنا سِتَّة أنفسٍ ثلاثة مِنَ الصحابة؛ وهم: عمَّارٌ وأبو ذر وأنس، وثلاثة مِنَ التَّابِعينَ؛ وهم: جابر بن زيد وعِكرمة والزُّهْريُّ، وكلُّ ذلك بِتعليقٍ.
          أَمَّا (عَمَّارٌ) فقد روى عنه الطبرانيُّ في «الكبير» قال: قال رسول الله صلعم : «أوتر قبل أن تنام، وصلاة الليل مثنى مثنى»، وفي إسناده الربيع بن بدر وهو ضعيفٌ، وأَمَّا مِن فعله هو فقد رواه ابن أبي شَيْبَةَ مِن طريق عبد الرَّحْمَن بن الحارث بن هَمَّام، عن عمَّار بن ياسر: أنَّهُ دخل المسجدَ فصلَّى ركعتين خفيفتين.
          وَ أَمَّا (أَبُو ذَرٍّ) فقد روى عنه ابن أبي شَيْبَةَ مِن فعله مِن طريق مالك بن أوس عنه: أنَّهُ دخل المسجد فأتى سارية فصلَّى عندها ركعتين، ولم أقف على شيءٍ رُوِيَ عنه مِن قوله مرفوعًا أو موقوفًا.
          وأَمَّا (أَنَسٌ) فقد روى عنه البُخَاريُّ فيما مضى في (باب هل يصلِّي الإمام بِمَن حضر؟) حَدَّثَنَا آدم قال: حَدَّثَنَا شعبة قال: حَدَّثَنَا أنس بن سِيرِين قال: سمعتُ أنسًا يقول: قال رجل مِنَ الأنصار: إنِّي لا أستطيعُ الصلاةَ معك، وكان رجلًا ضخمًا، فصنع للنَّبيِّ صلعم ، طعامًا، فدعاه إلى منزله، فبسط له حصيرًا، ونَضَح طرفَ الحصير، فصلَّى عليه ركعتين... الحديث، وفي هذا الباب عن عَمْرو بن عَبَسَة أخرجه أحمد عنه عنِ النَّبِيِّ صلعم قال: «صلاة الليل مَثْنَى مَثْنَى»، [وعن ابن عَبَّاس روى عنه الطبرانيُّ في «الكبير» قال: قال رسولُ الله صلعم : «صلاة الليل مَثْنَى مَثْنَى»].
          وأَمَّا الثلاثة مِنَ التَّابِعين؛ وهم: (جَابِر بْنُ زَيْدٍ) أبو الشَّعْثَاء البِصْريُّ، و(عِكرِمَةُ) مولى ابن / عَبَّاس، ومُحَمَّد بن مسلم (الزُّهْرِيُّ) فقد علَّق البُخَاريُّ عنهم بقوله: ويذكر، ولم أقف إلَّا على ما رواه ابن أبي شَيْبَةَ في «مصنَّفه» عن حَرَميِّ بن عُمارة، عن أبي خَلْدَة قال: رأيتُ عِكْرِمَة دخل المسجد فصلَّى فيه ركعتين.
          (ص) وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ: مَا أَدْرَكْتُ فُقَهَاءَ أَرْضِنَا إِلَّا يُسَلِّمُونَ فِي كُلِّ اثْنَتَيْنِ مِنَ النَّهَارِ.
          (ش) (يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) ابن قيس، أبو سعيد الأنصاريُّ النجَّاريُّ المَدينيُّ، قاضي المدينة، سَمِع أنس بن مالك، وروى مِن كبار التَّابِعينَ، أقدَمَه أبو جعفر المنصور العراق، وولَّاه القضاءَ بالهاشميَّة، وقيل: إنَّهُ تولَّى القضاءَ ببغداد، مات سنة ثلاثٍ وأربعين ومئة.
          قوله: (أَرْضِنَا) أراد بها المدينة، ومِن فقهاء أرضِه: الزُّهْريُّ ونافعٌ وسعيد بن المُسَيَِّبِ وعبد الرَّحْمَن بن القاسم بن مُحَمَّد بن أبي بكرٍ الصدِّيق وجعفرُ بن مُحَمَّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالبٍ ♥ الصادق، وربيعة بن أبي عبد الرَّحْمَن وعبد الرَّحْمَن بن هُرمُز وآخرون، وروى عن هؤلاء وغيرهم.
          قوله: (فِي كُلِّ اثْنَتَيْنِ) أي: في كلِّ ركعتين.