عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الكفارة قبل الحنث وبعده
  
              

          ░10▒ (ص) بابُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ جوازِ الكفَّارة قبلَ الحنث وبعده، واختلف العلماء في جواز الكفارة قبل الحنث؛ فقال ربيعة ومالك والثَّوْريُّ والليث والأوزاعيُّ: تجزئ قبل الحنث، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور، ورُوِيَ مثله عَن ابن عَبَّاسٍ وعائشة وابن عمر، وقال الشَّافِعِيُّ: يجوز تقديمُ الرقبة والكسوة والطعام قبل الحنث، ولا يجوز تقديمُ الصوم، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تجزئ الكفَّارة قبل الحنث، وقال صاحب «التوضيح»: ولا سلَفَ لأبي حنيفة فيه، واحتجَّ له الطَّحَاويُّ بقوله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}[المائدة:89] والمراد: إذا حلفتم وحَنِثتُم.
          قُلْت: أبو حنيفة ما انفرَدَ بهذا، وقال به أيضًا أشهبُ مِنَ المالكيَّة وداود الظاهريُّ، وصاحبُ «التوضيح» ما يقول فيما ذهب إليه الشَّافِعِيُّ؟ وهو أنَّ الكفارة اسمٌ لجميع أنواعها، فبعد الحنثِ حُمِلَ اللفظ على جميعها، وقبل الحنث خُصِّصَ اللفظ ببعضها، فترك الظاهر مِن ثلاثة أوجه؛ أحدها: تسميتها كفَّارة وليس هناك ما يُكفَّر، والثاني: صرفُ الأمر عَنِ الوجوب إلى الجواز، والثالث: تخصيصُ التكفير ببعض الأنواع.