عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {أو تحرير رقبة} وأي الرقاب أزكى؟
  
              

          ░6▒ (ص) باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وَأَيُّ الرِّقَابِ أَزْكَى؟
          (ش) أي: هذا بابٌ في ذكر قول الله تعالى: ({أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}[المائدة:89]) ذكر هذا الجزء مِنَ الآية واقتصر عليه؛ اعتمادًا على المُستنبط، فإنَّ تحرير الرقبة على نوعين؛ أحدهما: في كفَّارة اليمين، وهي مطلقةٌ فيها، والآخر: في كفَّارة القتل، وهي مقيَّدةٌ بالإيمان، ومِن هنا اختلف الفقهاء؛ فذهب الأوزاعيُّ ومالكٌ والشَّافِعِيُّ وأحمد وإسحاق إلى أنَّ المطلق يُحمَل على المقيَّد، وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأبو ثورٍ وابن المنذر إلى جواز تحرير الكافرة، وبقيَّة الكلام في هذا الباب في كتب الأصول والفروع.
          قوله: (وَأَيُّ الرِّقَابِ أَزْكَى؟) أي: أفضل، والأفضل فيها أغلاها ثمنًا، وأنفسُها عند أهلها، وقد مرَّ في أوائل (العتق) عن أبي ذرٍّ ☺ ، وفيه: فقُلْت: فأيُّ الرقاب أفضل؟ قال: «أغلاها ثمنًا».
          وفيه: إشارة إلى أنَّ البُخَاريَّ جنح إلى قول الحَنَفيَّة؛ لأنَّ (أفعل) التفضيل يستدعي الاشتراك في أصل التفضيل.
          فَإِنْ قُلْتَ: لمَ لا يجوز أن يكون مرادُه مِن قوله: (أَزْكَى) الإسلامَ؟ وفيه أشار الكَرْمانيُّ حيث قال: قوله: «مُسلِمة» إشارةٌ إلى بيان أزكى الرقاب، فلا تجوز الرقبة الكافرة.
          قُلْت: حديث أبي ذرٍّ يحكم عليه؛ لأنَّه مُطلَقٌ، وقد فسَّر الأفضليَّة بغلوِّ الثمن والنفاسة عند أهلها.