عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب إذا أعتق عبدا بينه وبين آخر
  
              

          ░7م▒ (ص) بابٌ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان حكم شخصٍ إذا أعتق عبدًا مشتركًا بينه وبين آخَرَ في الكفَّارة؛ هل يجوز أم لا؟ ولكن لم يذكر فيه حديثًا، قال الكَرْمانيُّ: قالوا: إنَّ البُخَاريَّ ترجَمَ الأبواب بين ترجمةٍ وترجمةٍ؛ ليُلحِقَ الحديثَ بها، فلم يجد حديثًا بشرطه يناسبها، أو لم يفِ عمره بذلك، وقيل: بل أشار به إلى ما نُقِل فيه مِنَ الأحاديثِ لَيسَت بشرطه، وقال بعضهم: ثبتت هذه الترجمة للمستملي وحده بغير حديثٍ، فكأنَّ المصنِّف أراد أن يكتب حديث الباب الذي بعده مِن وجهٍ آخَرَ، فلم يتَّفِق، أو تردَّد في الترجمتين، فاقتصر الأكثرُ على الترجمة التي تلي هذه، وكتب المُسْتَمْلِي الترجمتيِن احتياطًا، والحديث الذي في الباب الذي يليه صالحٌ لهما بضربٍ مِنَ التأويل انتهى.
          قُلْت: هذا الذي ذكراه كلُّه تَخمينٌ وحسبانٌ؛ أَمَّا الوجه الأَوَّل مِمَّا قاله الكَرْمانيُّ فليس بسديدٍ؛ لأنَّ الظاهر أنَّهُ كان لا يكتب ترجمةً إلَّا بعد وقوفِه على حديثٍ يناسبها، وأَمَّا الوجه الثاني فكذلك، وأَمَّا الوجه الثالث فأبعدُ مِنَ الوجهين الأوَّلين؛ لأنَّ الإشارة تكون للحاضر، فكيف يطَّلع الناظر فيها أنَّ ههنا أحاديث ليست بشرطه؟! وأَمَّا الذي قال بعضهم: (إنَّ المُسْتَمْلِي كتب الترجمتين احتياطًا) فأيُّ احتياطٍ فيه؟! وما وجهُ هذا الاحتياط؟ يعني: لو ترك الترجمة التي بلا حديثٍ؛ لكان يرتكب إثمًا حَتَّى ذكره احتياطًا؟! وأَمَّا قوله: (والحديث الذي في الباب الذي يليه...) إلى آخره؛ فليس بموجَّهٍ أصلًا، ولا صالح لِما ذكره؛ لأنَّ الولاء لمَن أعتق، فالعبدُ الذي أعتقه له، وولاؤه أيضًا له، فأين الاشتراكُ بين الاثنين في هذا؟ غاية ما في الباب: إذا أعتق عبدًا بينه وبين آخَرَ عن الكفارة؛ فَإِنَّهُ إن كان موسرًا أجزأه، ويضمن لشريكه حصَّته، وإن كان مُعسِرًا لم يجزئه، وهو قول أبي يوسف ومُحَمَّدٍ والشَّافِعِيِّ وأبي ثورٍ، وعند أبي حنيفة: لا يجزئه عن الكفَّارة مطلقًا، والصواب أن يُقال: إنَّ هذه الترجمة ليس لها وضعٌ مِنَ البُخَاريِّ؛ ولهذا لم تثبت عند غير المُسْتَمْلِي مِنَ الرواة، ومع هذا في ثبوتِها عنده نظرٌ، والله أعلم.