عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: يعطي في الكفارة عشرة مساكين قريبًا كان أو بعيدًا
  
              

          ░4▒ (ص) بابٌ: يُعْطِي فِي الْكَفَّارَةِ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ، قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا.
          (ش) أي: هذا بابٌ مُترجَمٌ بقوله: (يُعْطِي فِي الْكَفَّارَةِ) أي: في كفَّارة اليمين (عَشَرَةَ مَسَاكِينَ) كما في نصِّ القرآن.
          قوله: (قَرِيبًا) أي: سواءٌ كان المساكين قريبةً أو بعيدةً، وإِنَّما قال: (قريبًا) (أَوْ بَعِيدًا) بالتذكير إمَّا باعتبار لفظ (مسكين) فلذلك قال: (كَانَ)، ولم يقل: (كانت) ولا: (كانوا) وإمَّا باعتبار أنَّ (فعِيلًا) يستوي فيه التذكير والتأنيث؛ كما في قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف:56] قيل: لا وجه في ذكر العشرة هنا؛ لأنَّها في كفَّارة اليمين، وحديث الباب في كفَّارة الوقاع، فلا يُطابق الحديث الترجمةَ، وأجاب المُهَلَّبُ بما حاصله: أنَّ حكم العشرة مساكينَ في كفَّارة اليمين مُبهمٌ؛ مِن حيث لم يُذكَر فيه قريبٌ ولا بعيد، وجاء في كفَّارة الوقاع مِن حديث الباب: «أطعِمْه أهلَك» وهو مُفسَّرٌ، والمفسَّر يقضي على المجمَل، وقاس كفَّارة اليمين على كفَّارة الجِماع في إجازة الصرف إلى الأقرباء؛ لأنَّه إذا جاز إعطاءُ الأقرباء فالبعداءُ أجوَزُ انتهى.
          قُلْت: هذا إِنَّما يمشي إذا حمل قوله: «أطعِمْه أهلَكَ» على وجه الكفَّارة، لا على وجه الصدقة؛ لأنَّه لا يجوز أن يعطيَ الكفَّارة أحدًا مِن أهله إذا كان ممَّن تلزمه نفقتُه، وأَمَّا إذا كان ممَّن لا تَلزمُه نفقته؛ فيجوز، وقال الكَرْمانيُّ: وقيل: لعلَّ أهله كانوا عشرةً، وليس بشيءٍ.