عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب صاع المدينة ومد النبي
  
              

          ░5▒ (ص) بابُ صَاعِ الْمَدِينَةِ وَمُدِّ النَّبِيِّ صلعم وَبَرَكَتِهِ، وَمَا تَوَارَثَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذَلِكَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان صاع مدينةِ النَّبِيِّ صلعم ، وأشار بذلك إلى وجوب الإخراج في الواجبات بصاع أهل المدينة؛ لأنَّ التشريع وقعَ أوَّلًا على ذلك، حَتَّى زِيدَ فيه في زمن عُمَر بن عبد العزيز ☺ ، على ما يجيء.
          قوله: (وَمُدِّ النَّبِيِّ صلعم ) أي: وفي بيان مدِّ النَّبِيِّ صلعم .
          قوله: (وَبَرَكَتِهِ) قال الكَرْمانيُّ: أي: بركة المُدِّ، أو بركة كلٍّ منهما.
          قُلْت: الأحسنُ أن يُقال: وبركة النَّبِيِّ صلعم ؛ لأنَّه دعا حيث قال: «اللَّهمَّ بارك لهم في مكيالهم وصاعهم ومُدِّهم» ويجيء عن قريبٍ في حديث أنسٍ ☺ .
          قوله: (وَمَا تَوَارَثَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) أي: وفي بيانِ ما توارث أهلُ المدينة (قَرْنًا) أي: جيلًا بعد جيلٍ على ذلك، ولم يتغيَّر إلى زمنه، ألا ترى أنَّ أبا يوسف لمَّا اجتمع مع مالكٍ في المدينة فوقعت بينهما المناظرة في قدر الصاع، فزعم أبو يوسف أنَّهُ ثمانية أرطالٍ، وقام مالكٌ ودخل بيته وأخرج صاعًا، وقال: هذا صاع النَّبِيِّ صلعم ، قال أبو يوسف: فوجدتُه خمسة أرطالٍ / وثلثًا، فرجع أبو يوسف إلى قول مالكٍ، وخالف صاحبَيْه في هذا.
          وجهُ مناسبة ذكر هذا الباب بـ(كتاب الكفَّارات) هو أنَّ في كفَّارة اليمين إطعام عشرة أمدادٍ لعشرة مساكين، وكفَّارة الوقاع إطعام ستِّين مسكينًا ستِّين مُدًّا، وفي كفَّارة الحلق إطعام ثلاثة آصُعٍ لستَّة مساكين.