عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب مهر البغي والنكاح الفاسد
  
              

          ░51▒ (ص) بَابُ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان حكم مهر البغيِّ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ، و(الْبَغِيُّ) بفتح الباء وكسر الغين المُعْجَمة وتشديد الياء، قال بعضهم: هو على وزن «فعيل» يستوي فيه المذكَّر والمؤنَّث، وقال الكَرْمَانِيُّ: وزنه «فَعول».
          قُلْت: على الأصل؛ لأنَّ أصله: (بَغُوي) على وزن (فَعُول) اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فأُبْدِلَت الواو ياء، وأُدْغِمَت الياء في الياء، فصار: (بَغُيٌّ) بِضَمِّ الغين، ثُمَّ أَبْدِلَت ضمَّته كسرةً؛ لأجل الياء، فصارت: (بَغِيٌّ)، وأَمَّا قول البعض: إنَّ أصل وزنه «فَعِيل» فليس بصحيحٍ؛ إذ لو كان كذلك للزمته الهاء؛ كامرأةٍ حليمةٍ وكريمةٍ، واشتقاقه مِنَ البغاء؛ وهو الزنى.
          قوله: (وَالنِّكَاحِ الفَاسِدِ) أي: وفي حكم النكاح الفاسد، وأنواعه كثيرة: كالنكاح بلا شهودٍ، وبلا وليٍّ عند البعض، ونكاح المعتدَّة، والنكاح المؤقَّت، والشغار عند البعض، ونحوها.
          (ص) وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا تَزَوَّجَ مُحَرَّمَةً وَهْوَ لَا يَشْعُرُ؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا مَا أَخَذَتْ، وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: لَهَا صَدَاقُهَا.
          (ش) أي: قال الحسن البَصْريُّ: (إذَا تَزَوَّج مُحَرَّمَةً) بِضَمِّ الميم وتشديد الراء؛ أي: امرأةً مُحرَّمةً عليه، وفي رواية المُسْتَمْلِي: <مَحْرَمُهُ > بفتح الميم وسكون الحاء وفتح الراء والميم وبالضمير، وقال الكَرْمَانِيُّ: «محرمة» بلفظ فاعلٍ مِنَ الإحرام، وبلفظ مفعول التحريم، وبلفظ «المَحْرَم» بفتح الميم والراء المضاف، وضبطه الدِّمْيَاطِيُّ بِضَمِّ الميم وكسر الراء، وقال ابن التين: يريد: ذات مَحْرَمٍ؛ بفتح الميم.
          قوله: (وَهُوَ لَا يَشْعُرُ) أي: والحال أنَّ الرجل لم يدر بذلك (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا مَا أخَذَتْ) مِنَ الرجل؛ يعني: صداقها المسمَّى (وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ) وهو قول مالكٍ المشهور.
          قوله: (ثُمَّ قَالَ) / أي: الحسن (بَعْدُ) أي: بعد أن قال: (وليس لها غيره) (لَهَا صَدَاقُهَا) يعني: صداق مثلها، وسائر الفقهاء على هذين القولين، فطائفةٌ تقول: بصداق المثل، وطائفةٌ تقول: بالمسمَّى، وأَمَّا مَن تزوَّج مَحرَمَه وهو عالمٌ بالتحريم، فقال مالكٌ وأبو يوسف ومُحَمَّدٌ والشَّافِعِيّ: عليه الحدُّ ولا صداق في ذلك، وقال الثَّوْريُّ وأبو حنيفة: لا حدَّ عليه وإن علم يُعزَّر، وقال أبو حنيفة: لا يبلغ به أربعين.
          وتعليق الحسن رواه ابن أبي شَيْبَةَ عن عبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن مطرٍ عنه به.