عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قوله تبارك وتعالى: {وبعولتهن أحق بردهن}
  
              

          ░44▒ (ص) بِابُ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}[البقرة:228] فِي الْعِدَّةِ، وَكَيْفَ تُرَاجَعُ الْمَرْأَةُ إِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ؟
          (ش) أي: هذا بابٌ في قوله تعالى: ({وَبُعُولَتِهِنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}) و(البُعولة) جمع (بَعْل) وهو الزوج، قال المفسِّرون: زوجُها الذي طلَّقها أحقُّ بردِّها ما دامت في العدَّة، وهو معنى قوله: (فَي العِدَّةِ) وقيَّد بذلك لأنَّ عدَّتها إذا انقضت لا تبقى تحلُّ للرجعة، فيحتاج في ذلك إلى الاستئذان والإشهاد والعقد الجديد بشروطه.
          قوله: (فِي الْعِدَّةِ) ليس مِنَ الآية، وكذلك فصل أبو ذرٍّ بين قوله: ({بِرَدِّهِنَّ}) وبين قوله: (فِي الْعِدَّةِ) بدائرةٍ إشارةً إلى أنَّهُ ليس مِنَ الآية، وإشارةً إلى أنَّ المراد بأحقِّيَّة الرجعة مَن كانت في العدَّة، وهو قول جمهور العلماء، وفي بعض النُّسَخ: <{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ}[البقرة:228] أي: في العدَّة> وهذا واضحٌ، فلا يحتاج إلى ذكر شيءٍ، وفي بعض النُّسَخ أيضًا بعد قوله: (في العدَّة) : <{وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}> ولم يثبت هذا في رواية النَّسَفِيِّ.
          واختلفوا فيما يكون به مُراجِعًا؛ فقالت طائفةٌ: إذا جامعها فقد راجعها، رُوِيَ ذلك عن سعيد بن المُسَيَِّبِ وعطاءٍ وطاووس والأوزاعيِّ، وبه قال الثَّوْريُّ وأبو حنيفة، وقالا أيضًا: إذا لمسها أو نظر إلى فرجها بشهوةٍ مِن غير قصد الرجعة فهي رجعةٌ، وينبغي أن يُشهِد، وقال مالكٌ وإسحاق: إذا وطئها في العدَّة وهو يريد الرجعة وجهل أن يُشْهِد فهي رجعةٌ، وينبغي للمرأة أن تمنعه الوطءَ حَتَّى يُشْهِد، وقال ابن أبي ليلى: إذا راجع ولم يُشْهِد؛ صحَّت الرجعة، وهو قول أصحابنا أيضًا، والإشهاد مستحبٌّ، وقال الشَّافِعِيُّ: لا تكون الرجعة إلَّا بالكلام، فإن جامعها بنيَّة الرجعة فلا رجعة، ولها عليه مهر المثل، واستُشْكِلَ؛ لأنَّها في حكم الزوجات، وقال مالكٌ: إذا طلَّقها وهي حائضٌ أو نفساء أُجْبِر على رجعتها، وروى ابن أبي شَيْبَةَ عن جابر بن زيدٍ: إذا راجع في نفسه فليس بشيءٍ.
          قوله: (وَكَيْفَ تُرَاجَعُ؟) جزءٌ آخرُ للترجمة، و(تُراجَع) على صيغة المجهول، ولم يذكر جواب المسألة بناءً على عادته؛ اعتمادًا على معرفة الناظر بذلك، وإمَّا اكتفاءً بما يُعلَم مِن أحاديث الباب.