عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قوله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم}
  
              

          ░38▒ (ص) بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} الآيَة[الطلاق:4].
          (ش) أي: هذا بابٌ في قوله تعالى... إلى آخره، وسقط لفظ: (باب) لأبي ذرٍّ ولكريمة، وثبت للباقين، وقال الفَرَّاء في «كتاب معاني القرآن»: ذكروا أنَّ معاذ بن جبلٍ ☺ سأل سيِّدنا رسول الله صلعم فقال: يا رسول الله؛ قد عرفنا عدَّة [التي تحيض، فما عدَّة الكبيرة التي يئست؟ فنزلت: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ}[الطلاق:4] فقام رجلٌ فقال: فما عدَّة] الصغيرة التي لم تحض؟ فقال: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} بمنزلة الكبيرة التي قد يئست: عدَّتها ثلاثة أشهرٍ، فقام آخرُ فقال: فالحوامل يا رسول الله ما عدَّتهن؟ فقال: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق:4] فإذا وضعت الحامل ذا بطنها حلَّت للزوج وإن كان الميِّت على السرير لم يُدفَن، وذكر عبد بن حُمَيدٍ في «تفسيره» عن عُمَر بن الخَطَّاب نحوه، وعند الواحديِّ مِن حديث أبي عثمان عَمْرو بن سالمٍ قال: لمَّا نزلت عدَّة النساء في «سورة البقرة» قال أُبَيُّ بْنُ كعبٍ: يا رسول الله؛ إنَّ أناسًا مِن أهل المدينة يقولون: / قد بقي مِنَ النساء ما لم يُذكَر فيهنَّ شيءٌ، قال: «وما هو؟» قال: الصغار والكبار وذوات الحمل؟ فنزلت هذه الآية الكريمة، وفي «تفسير مقاتل»: قال خلَّادٌ الأنصاريُّ: يا رسول الله؛ ما عدَّة مَن لم تحض؟ فنزلت.
          (ص) قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنْ لَمْ تَعْلَمُوا يَحِضْنَ أَوْ لَا يَحِضْنَ وَاللَّائِي قَعَدْنَ عَنِ الْحَيْضِ، وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ.
          (ش) أي: قال مجاهدٌ في تفسير قوله تعالى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ}[الطلاق:4] بقوله: (إِنْ لَمْ تَعْلَمُوا)... إلى آخره، ووصل هذا التعليقَ عبدُ بن حُمَيدٍ عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نَجِيحٍ عنه، وقد أجمع العلماء على أنَّ عدَّة الآيسة مِنَ المحيض ثلاثة أشهرٍ، وأَمَّا أولات الأحمال، فقال إسماعيل بن إسحاق: أكثر العلماء والذي مضى عليه العمل أنَّها إذا وضعت حملها فقد انقضت عدَّتها، وخالف في ذلك عليٌّ وابن عَبَّاسٍ ♥ ، فَإِنَّهُما قالا: عدَّتها آخر الأجلين، ورُوِيَ أيضًا عن سحنون، ورُوِيَ عن ابن عَبَّاسٍ: الرجوع عن ذلك، ويؤيِّد ذلك أنَّ أصحابه عطاءً وعِكرمةَ وجابرَ بنَ زيدٍ قالوا كقول الجماعة، وقال حمَّاد بن أبي سليمان: لا تخرج عن العدَّة حَتَّى ينقضي نفاسها وتغتسل منه.