عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا
  
              

          ░46▒ (ص) بَابُ تُحِدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
          (ش) أي: هذا بابٌ فيه تُحدُّ... إلى آخره، قال بعضهم: «تُحِدَّ» بِضَمِّ أوَّله وكسر ثانيه مِنَ الرباعيِّ.
          قُلْت: هذا ليس باصطلاحِ أهل الصرف، بل يقال: هذا مِنَ الثُّلاثيِّ المزيد فيه، مِن (أحدَّ) على وزن (أفعل) يُحِدُّ إحدادًا، وقال ثعلبٌ: تقول: حدَّت المرأةُ على زوجها، تَحُدُّ وتَحِدُّ حِدادًا؛ إذا تركت الزينةَ، فهي حادٌّ، ويقال أيضًا: أحدَّت فهي مُحِدٌّ، وقال الفَرَّاء: إِنَّما كانت بغير هاءٍ لأنَّه لا يكون للذكر، وقال ابن درستويه: المعنى: أنَّها منعتِ الزينةَ نفسَها والطيبَ بدنَها، ومنعت بذلك الخطَّابَ خطبتَها والطمعَ فيها، كما منعَ حدُّ السكين وحدُّ الدار ما منعا، وفي «نوادر اللحيانيِّ» بـ«أَحَدَ»: جاء الحديث: لا تحدُّ، قال: وحكى الكسائيُّ عن عقيل: «حدَّت» بغير ألفٍ، وفي «شرح التدميريِّ»: يروى بالحاء وبالجيم، وبالحاء أشهر، وبالجيم مأخوذةٌ مِن جددتُ الشيءَ؛ إذا قطعتَه، فكأنَّ المرأة انقطعت عن الزينة وما كانت عليه أوَّلًا قبل ذلك، وفي «تقويم المفسَد» لأبي حاتمٍ: أبى الأصمعيُّ إلَّا «أحدَّت» ولم يعرف«حدَّت».
          (ص) وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا أَرَى أَنْ تَقْرَبَ الصَّبِيَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الطِّيبَ؛ لأنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ.
          (ش) أي: قال مُحَمَّد بن مسلمٍ الزُّهْريُّ.
          قوله: (الصَّبِيَّةُ) بالرفع على الفاعليَّة، و(الطِّيبَ) بالنصب على المفعوليَّة، وقال الكَرْمَانِيُّ: ويروى بالعكس، وهو ظاهرٌ، وإِنَّما ذكر الصَّبيَّة لأنَّ فيه خلافًا، فعند أبي حنيفة: لا حداد عليها، وقال مالكٌ والشَّافِعِيٌّ وأحمد وأبو عُبَيدٍ وأبو ثورٍ: عليها الحداد.
          قوله: (لِأنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ) أي: على الصَّبيَّة، أشار بهذا إلى أنَّها كالبالغة في وجوب العدَّة.