عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة
  
              

          ░8▒ (ص) باب ما جاءَ فِي صِفَةِ الجَنَّةِ وَأنَّها مَخْلُوقَةٌ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان ما جاء مِنَ الأخبار في صفة الجنَّة، وفي بيان أنَّها مخلوقةٌ وموجودةٌ الآن، وفيه ردٌّ على المعتزلة حيث قالوا: إنَّها لا توجَدُ إلَّا يوم القيامة، وكذلك قالوا في النار: إنَّها تُخْلَق يوم القيامة.
          و(الجَنَّةُ) البستان مِنَ الشجر المتكاثف المظلَّل بالتفافِ أغصانه، والتركيبُ دائرٌ على معنى السَّتر، وكأنَّها لتكاثُفِها وتظلُّلها سُمِّيت بالجنَّة التي هي المرَّة، من مصدر (جنَّه) ؛ إذا سَتَره، كأنَّها سترة واحدة؛ لفرط التفافِها، وسُمِّيت دارُ الثواب جنَّةً؛ لِما فيها مِنَ الجِنان.
          (ص) قالَ أبُو العالِيَةِ: {مُطَهَّرةٌ} مِنَ الحَيْضِ والبَوْلِ والبُزاقِ.
          (ش) (أبُو العالِيَةِ) هو رُفَيعٌ الرِّياحيُّ، وقد ذُكِر في الباب الذي قبله، وأشار بذلك إلى تفسير لفظ ({مُطَهَّرَةٌ}) في قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ}[البقرة:25].
          ووصله ابن أبي حاتم من رواية مجاهد، وزاد: (ومِنَ المنيِّ والولد)، وفي رواية قتادة: (مِنَ الأذى والإثم).
          قوله: (والبُزاقِ) ويقال بالصاد: (بصاق) أيضًا.
          (ص) {كُلَّما رُزِقُوا} أُوتُوا بآخَرَ؛ {قالُوا هَذا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ}[البقرة:25] أوُتِينا مِنْ قَبْلُ.
          (ش) أشار بقوله: ({كُلَّما رُزِقُوا}) إلى قوله تعالى: {كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قالُوا هَذا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهًا}[البقرة:25].
          قوله: (أُوتُوا بآخَرَ) أي: بثَمَرٍ آخَرَ، واستُفيد التَّكرار مِن لفظ {كلَّما}، فإذا أُوتوا بآخَر؛ {قالُوا هَذا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ}، وفسَّره بقوله: (أوُتِينا مِنْ قَبْلُ)، قال ابن التين: هو مِن «أوتيتُه»؛ إذا أُعْطِيتَه، وهكذا روايةُ الأكثرين، وفي رواية الكُشْميهَنيِّ: <أُتينا> مِن أَتيتَه، بالقصر؛ بمعنى: جئتَه، وقال ابن التين: والأَوَّل هو الصواب.
          وفي القَبليَّة وجهان:
          أحدهما: ما رواه السُّدِّيُّ في «تفسيره» عن أبي مالك، وعن أبي صالحٍ عن ابن عَبَّاس، وعن مرَّةَ عن ابن مسعود، وعن ناسٍ مِنَ الصحابة: {قالُوا هَذا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ}[البقرة:25]، قالوا: إنَّهم أوتوا بالثمرة في الجنَّة، فلمَّا نظروا إليها؛ قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل في دار الدنيا، وهكذا قال قتادةُ وعبد الرَّحْمَن بن زيد / بن أسلم.
          والآخَرُ: ما قاله عِكْرِمَة: {قالُوا هَذا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ}[البقرة:25] قال: معناه: مثل الذي كان بالأمسِ، وهكذا قال الرَّبيع بن أنس، وقال مجاهدٌ: يقولون: ما أشبهه به! وقال ابن جَرير: وقال آخرون: بل تأويلُ ذلك: هذا الذي رُزِقنا مِن ثمار الجنَّة من قبل هذا؛ لشدَّة تشابُهِ بعضها بعضًا؛ لقوله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهًا}[البقرة:25].
          (ص) {وأُتُوا بِهِ مُتَشابِهًا} يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، ويَخْتَلِفُ في الطُّعُومِ.
          (ش) فسَّر قوله تعالى: ({وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهًا}) بقوله: (يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا)، وهكذا قال أبو جعفر الرازيُّ عن الربيع بن أنس عن أبي العالية، ولكنَّه قال: (في الطَّعم) بالإفراد، وهو أيضًا روايةٌ في الكتاب، وقال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنا أبي: حَدَّثَنا سعيد بن سليمان: حَدَّثَنا عامر بن يَساف عن يحيى بن أبي كثير قال: عشبُ الجنة الزعفرانُ، وكثبانها المِسْك، ويطوفُ عليهم الوِلدان بالفواكه فيأكلونها، ثُمَّ يُؤتَون بمثلها، فيقول لهم أهل الجنَّة: هذا الذي أَتيتُمونا آنفًا به، فيقول لهمُ الولدان: كُلوا، فإنَّ اللونَ واحدٌ والطعمَ مختلفٌ، وهو قوله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهًا}.
          وقال ابن جَرير في «تفسيره» بإسناده عن السُّدِّيِّ عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عَبَّاس في قوله: {مُتَشابِهًا} يعني: في اللَّون والمَرْأى، وليس يُشبِه في الطَّعم، وقال عِكْرِمَة: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهًا} يُشبِهُ ثمر الدنيا، غير أنَّ ثمرَ الجنَّة أطيبُ، وقال سفيان الثَّوْريُّ عن الأَعْمَش عن أبي ظبيان، عن ابن عَبَّاس: لا يشبه شيءٌ مِمَّا في الجنَّة ما في الدنيا إلَّا في الأسماء، وفي رواية: ليس في الدنيا مِمَّا في الجنة إلَّا الأسماء، رواه ابن جَريرٍ من رواية الثَّوْريِّ، وابنُ أبي حاتم من رواية أبي معاوية؛ كلاهما عن الأَعْمَش به.
          (ص) {قُطُوفُها} يَقْطِفُونَ كَيْفَ شاؤُوا، {دانِيةٌ} قَرِيبَةٌ.
          (ش) أشار بهذا إلى تفسير قوله تعالى: {قُطُوفُها دانِيَةٌ}[الحاقة:23]، وفسَّر ({قُطُوفُها}) بقوله: (يَقْطِفُونَ كَيْفَ شاؤُوا)، قال الكَرْمانِيُّ: كيف فسَّر «القُطوف» بـ«يقطِفون»؟ قُلْت: جعل {قُطُوفُها دانِيَةٌ} جملةً حاليَّةً، وأخذ لازمها.
          وروى عبد بن حُمَيد من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عنِ البراء قال في قوله: {قُطُوفُها دانِيَةٌ}: يتناول منها حيث شاء، وروى ابن أبي حاتم من طريق الثَّوْريِّ عن أبي إسحاق عنِ البراء أيضًا، ومن طريقِ قتادة قال: دَنَتْ فلا يرُدُّ أيديَهم عنها بُعدٌ ولا شوكٌ.
          (ص) {الأرائِك} السُّرُرُ.
          (ش) أشار به إلى {الأرائك} في قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الأَرائِكِ}[الكهف:31]، وفسَّرها بقوله: (السُّرُرُ)، وكذا فسَّره عبد بن حُميد من طريق حُصين عن مجاهدٍ عن ابن عَبَّاس، قال: {الأَرائِكُ}: السُّرر في الحِجال، و(الأرائك) جمع (أريكة)، قال ابن فارس: الأريكة الحَجَلة على السرير، لا تكون إلَّا كذا، وعن ثعلبٍ: الأريكة لا تكون إلَّا سريرًا متَّخذًّا في قُبَّة عليه شُوار ومخدَّة.
          قُلْت: (الشُّوار) بِضَمِّ الشين المُعْجَمة، وتخفيف الواو: متاع البيت، و(الحَجَلة) بالتحريك: بيتٌ له قٌبَّة، يُستَر بالثياب، ويكون له أزرارٌ كِبارٌ.
          (ص) وقالَ الحَسَنُ: النَّضْرَةُ في الوَجْهِ، والسُّرُورُ في القَلْبِ.
          (ش) أشار بتفسير الحسَنِ البِصْريِّ إلى ما في قوله تعالى: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا}[الإنسان:11]، وأوَّله: {فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ}[الإنسان:11]؛ أي: فوقى الله الأبرارَ شرَّ ذلك اليوم الذي يخافونه مِن شدائده.
          و{لقَّاهُمْ} أي: أعطاهم بدلَ عبوس الفجَّار وحزنهم {نضرةً} في الوجوه؛ وهي أثَرُ النِّعمة وحُسْنُ اللون والبهاء، {وَسُرُورًا} في القلوب.
          وأثر الحسَنِ رواه عبد بن حُميد مِن طريق مُبارك بن فَضالة عنه.
          (ص) وقالَ مُجاهِدٌ: {سَلْسَبِيلًا} حَدِيدَةُ الجِرْيَةِ.
          (ش) أشار بتعليق مجاهدٍ وتفسيرِه هذا إلى ما في قوله تعالى: {عَيْنًا فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا}[الإنسان:18].
          قوله: ({عَيْنًا}) بدلٌ من قوله: {زَنْجَبِيلًا} فيما قبله.
          قوله: ({فِيها}) أي: في الجنَّة، وقال الزجَّاج: أي: يُسْقَون عَينًا فيها تُسمَّى سلسبيلًا؛ لسلاسة انحدارِها في الحلق وسُهولة مَساغِها، وقال أبو العالية ومُقاتِل بن حيَّان: سُمِّيت سلسبيلًا؛ لأنَّها تسيل عليهم في الطُّرق وفي منازلهم، تنبع من أصل العرش من جنَّة عدنٍ إلى أهل الجِنان.
          و(السلسبيل) في اللغة: وصفٌ لِما كان في غاية السَّلاسة، يقال: شرابٌ سلسبيل وسَلسل وسَلسال، وقد زيدتِ الياءُ فيه حَتَّى صار خُماسيًّا، ودلَّ على غاية السلاسة.
          وتعليقُ مجاهد وصله سعيد بن منصور وعبد بن حُمَيد بإسنادهما عنه.
          قوله: (حَدِيدَةُ) / بالحاء والدالين المهملات؛ أي: شديدة (الجِرْيَة) أي: الجريان، وقال عياضٌ: رواها القابسيُّ: <جَريدة الجِرْيَة > بالجيمِ وبِالرَّاء بدل الدال الأولى، وفسَّرها بـ(الليِّنة)، ورُدَّ عليه بأنَّ ما قاله لا يُعرَف.
          (ص) {غَوْلٌ} وَجَعُ البَطْنِ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ}[الصافات:47]، وفسَّر (الغَوْل) بـ(وَجَعُ البَطْنِ)، وهذا التفسيرُ يُروى عن مجاهدٍ، وعن ابن عَبَّاسٍ وقتادة: صُداع.
          (ص) {يُنْزَفُونَ} لا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ.
          (ش) فسَّر ({يُنْزَفُونَ}) بقوله: (لا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ) عند شرب خمر الجنَّة.
          وهذا التفسير مرويٌّ عن ابن عَبَّاس وغيره، وقرئ: {يُنْزِفُون} بكسر الزاي، وفيه قولان؛ أحدهما: مِن أنزف الرجلُ؛ إذا نفدَ شرابُه، والآخر: يقال: أنزف؛ إذا سَكِر، وأَمَّا (نزف) ؛ إذا ذهب عقلُه مِنَ الشُّرب؛ فمشهورٌ مسموعٌ.
          (ص) وقال ابنُ عَبَّاس: {دِهاقًا} مُمْتَلِئًا.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {وَكَأْسًا دِهاقًا}[النبأ:34]، وفسَّر (الدِّهاق) بقوله: (مُمْتَلِئًا).
          ووصله الطَّبَريُّ عن أبي كُرَيب: حَدَّثَنا مروان عن يحيى عن مسلم بن نِسطاس: قال ابن عَبَّاسٍ لغلامه: اسقني دِهاقًا، قال: فجاء بها الغلام ملأى، [فقال ابن عَبَّاس: هذا الدِّهاق، ورويَ أيضًا عن أبي صالح عن ابن عَبَّاس في قوله: {وَكَأْسًا دِهاقًا} قال: ملأى].
          (ص) {كَواعِبَ} نَواهِدَ.
          (ش) أشارَ به إلى ما في قوله تعالى: {وَكَواعِبَ أَتْرابًا}[النبأ:33]، وفسَّر ({كَواعِبَ}) بقوله: (نَواهِدَ).
          وهذا التفسير عن ابن عَبَّاس رواه ابن أبي حاتم من طريق عليِّ بن أبي طلحة عنه.
          و(النَّواهِدُ) جمع (ناهد) وهي التي بدا نهْدُها، يقال: نهد الثَّدْيُ؛ إذا ارتفع عنِ الصدر، وصار له حجم.
          و(الأَتْرابُ) جمع (تِرب) بالكسر، وهو القِرن.
          (ص) الرَّحِيقُ: الخَمْرُ.
          (ش) أشار إلى ما في قوله تعالى: {رَحِيقٍ مَخْتُومٍ}[المطففين:25]، وفسَّر (الرَّحِيقَ) بـ(الخَمْر).
          وهذا التفسير وصله الطَّبَريُّ من طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عَبَّاسٍ في قوله تعالى: {رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} قال: الخمر خُتِمَ بالمِسك، وقيل: الرَّحيق: الخالص من كلِّ شيء، وقال مجاهد: يشربُها أهلُ الجنَّة صِرفًا، وقال سعيد بن جُبَير وإبراهيم النَّخَعِي: {خِتامُهُ}[المطفِّفين:26] آخِرُ طَعْمِه.
          (ص) التَّسْنِيمُ: يَعْلُو شَرابَ أهْلِ الجَنَّةِ.
          (ش) أشار إلى ما في قوله تعالى: {وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ}[المطففين:27]، وفسَّره بقوله: (يَعْلُو شَرابَ أهْلِ الجَنَّةِ).
          وهذا وصله عبد بن حُمَيد بإسنادٍ صحيح عن سعيد بن جُبَير عن ابن عَبَّاسٍ قال: (التَّسْنِيمُ) يعلو شراب أهل الجنة، وهو صِرفٌ للمقرَّبين، ويُمزَج لأصحاب اليمين، وقال الجَوْهَريُّ: (التسنيم) اسمُ ماءٍ في الجنَّة، سُمِّي بذلك؛ لأنَّه جرى فوق الغُرَف والقصور.
          (ص) (خِتامُهُ) طِينُهُ مِسْكٌ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {رَحِيقٍ مَخْتُومٍ}، وفسَّر (المَخْتُوم) بقوله: (خِتامُهُ طِينُهُ مِسْك).
          وهذا وصله ابن أبي حاتمٍ من طريق مجاهدٍ في قوله: {خِتامُهُ مِسْكٌ}[المطففين:26] قال: طينُه مسكٌ، ومن طريق أبي الدَّرْداء في قوله: {خِتامُهُ مِسْكٌ} قال: هو شرابٌ أبيضُ مثلُ الفضَّة يختمون به آخِرَ شرابهم.
          (ص) {نَضَّاخَتانِ} فَيَّاضَتانِ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ}[الرَّحْمَن:66]، وفسَّر (النَضَّاخَتَينِ) بقوله: (فَيَّاضَتانِ)، رويَ ذلك عنِ ابن عَبَّاس، وصله ابنُ أبي حاتمٍ من طريق عليِّ بن أبي طلحة عنه.
          و(النَّضْخُ) في اللغة: بالمُعْجَمة أكثرُ مِنَ المُهْمَلة.
          (ص) يُقالُ: {مَوْضُونَةٌ} مَنْسُوجَةٌ، مِنْهُ: وَضِينُ النَّاقَةِ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ}[الواقعة:15]، وفسَّر (المَوْضُونَة) بـ(المَنْسُوجَة) أي: المنسوجة بالذَّهَب، وقيل: بالجواهر واليواقيت.
          رواه ابن أبي حاتم عن عِكْرِمَة، ورويَ أيضًا من طريق الضحَّاك في قوله: {مَوْضُونَةٍ} قال: (الوضين) التشبيك والنَّسْج، يقول: وسَطُها مشبَّك منسوجٌ.
          قوله: (ومنْهُ) أي: ومِن هذا وَضينُ الناقة؛ وهو البِطان إذا نُسِجَ بعضُه على بعضٍ مضاعَفًا.
          (ص) والكُوبُ: ما لا أُذُنَ لَهُ ولا عُرْوَةَ، والأبارِيقُ: ذَواتُ الآذانِ والعُرا.
          (ش) أشار بهذا إلى تفسير ما في قوله تعالى: {بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ}[الواقعة:18]، و(الأَكْوابُ) جمع (كوب)، وفسَّره بقوله: (والكُوبُ: ما لا أُذُنَ لَهُ ولا عُرْوَةَ)، وقيل: الكوب المستدير لا عُرًا له، ويُجمَع على (أكواب)، وتُجمَع (الأكواب) على (أكاويب)، وروى عبد بن حُمَيد من طريق قتادة قال: الكوب دون الإبريق ليس له عروة.
          و(الأَبارِيقُ) جمع (إبريق) على وزن / (إِفْعِيل) أو (فِعْلِيل).
          (ص) {عُرُبًا} مُثَقَّلَةً واحِدُتها: عَرُوبٌ؛ مثْلُ: صَبُورٍ وَصُبُر، يُسَمِّيها أهْلُ مَكَّةَ: العَرِبَةَ، وأهْلُ المدِينَة: الغَنِجَةَ، وأهْلُ العِراقِ: الشَّكِلَةَ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله: {فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكارًا. عُرُبًا أَتْرابًا}[الواقعة:36-37]، وفسَّر {عُرُبًا} بقوله: (مُثَقَّلَةً) أي: مضمومة الراء، قيل: مرادُهم بالتثقيل الضمُّ، وبالتخفيف الإسكانُ.
          قُلْت: ليت شِعري! هذا اصطلاحُ مَن مِن أهل الأدبيَّة؟!
          قوله: (واحِدَتُها) أي: واحدة (العُرُب) بِضَمِّ الراء: (عَرُوبٌ؛ مثْلُ: صَبُورٍ) في المفرد، (وَصُبُر) بِضَمِّ الباء في الجمع.
          وذكر النَّسَفِيُّ في «تفسيره» في قوله تعالى: {فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكارًا} عَذارى {عُرُبًا} عواشقَ محبَّباتٍ إلى أزواجهنَّ، جمع «عَروب»، وقال الحسن: العَرُوبُ: الملِقة، وقال عِكْرِمَة: غَنِجة، وقال ابن زيدٍ: شكِلة بلغة مكَّة، مغنوجة بلغة المدينة، وعن زيد بن حارثة: حِسان الكلام، وقيل: حسَنة الفعل، وجزم الفَرَّاء بأنَّ العَروبَ الغنِجةُ.
          قوله: (العَرِبَةُ) بفتح العين، وكسر الراء، وفتح الباء، وأخرج الطَّبَريُّ من طريق تميم بن حَذْلَم في قوله: {عُرُبًا} قال: العَرِبَةُ: الحسنة التبعُّل، كانتِ العربُ تقولُ إذا كانت المرأةُ حسنةَ التبعُّل: إنَّها لَعَرِبة، ومن طريق عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر المَكِّيِّ قال: العَرِبة التي تشتهي زوجَها.
          قوله: (الغَنِجَةَ) بفتح الغين المُعْجَمة، وكسر النون، وبالجيم، من الغَنَج؛ وهو التكسُّر والتَّدَلُّل في المرأة، وقد غنِجتْ وتغنَّجتْ.
          قوله: (الشَّكِلَةَ) بفتح الشين المُعْجَمة وكسر الكاف: ذات الدَّلِّ.
          (ص) وقال مُجاهِدٌ: (رَوْحٌ) جَنَّةٌ ورَخاءٌ، و(الرَّيْحانُ) : الرِّزْقُ.
          (ش) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}[الواقعة:89]، وفسَّر مجاهد: (رَوْحًا) بـ(جَنَّةٌ وَرَخاءٌ)، وفسَّر (الرَّيْحان) بـ(الرِّزْق)، وقال الفِرْيابيُّ: حَدَّثَنا وَرْقاء عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد في قوله: {فَرَوْحٌ} قال: جنَّة {وَرَيْحانٌ} قال: رزقٌ، وأخرجه البَيْهَقيُّ في «الشُّعَب» من طريق آدم عن وَرقاء بسنده بلفظ: {فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ} قال: الرَّوح: جنَّة ورخاء، والريحان: الرزق، وروى عبد بن حُمَيد في «تفسيره»: حَدَّثَنا شَبابةُ عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد: {فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ} قال: رِزقٌ، وحدَّثنا أَبُو نُعَيْم عن عبد السلام بن حَرْب، عن ليث، عن مجاهد قال: الرَّوح: الفرح، والرَّيحان: الرِّزق، وقيل: رَوْح: طيبٌ ونسيم، وقيل: الاستراحة، ومن قرأ بِضَمِّ الراء؛ أراد الحياةَ التي لا موت معها، وعن الحسن: الريحان: ريحانُنا هذا.
          (ص) و(المَنْضُودُ) المَوْزُ، و(المَخْضُودُ) المُوقَرُ حَمْلًا، ويُقالُ أيضًا: لا شَوْكَ لَهُ.
          (ش) أشار إلى ما في قوله تعالى: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ. وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ. وَظِلٍّ مَمْدُودٍ. وَماءٍ مَسْكُوبٍ} الآية[الواقعة:28-31]، وفسَّر قوله: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} بأنَّه (المَوْزُ)، وقال عياضٌ: وقع هنا تخليطٌ، والصواب: والطَّلْحُ الموز.
          و(المَنْضُودُ) (المُوقَرُ حَمْلًا) الذي نُضِد بعضُه على بعضٍ من كثرة حمله، واستصوب بعضُهم ما قاله البُخاريُّ، وفي ضمنه ردٌّ على عياضٍ، والصواب ما قاله عياضٌ؛ لأنَّ المنضود ليس اسمَ الموز، وإِنَّما هو صفة الطَّلح، وقال النَّسَفِيُّ في «تفسيره»: {طَلْح} شجر موز، وعن السُّدِّيِّ: شجرٌ يشبه طَلْح الدنيا، ولكنْ له ثمرٌ أحلى من العسل، وقال النَّسَفِيُّ أيضًا: حُكِيَ أنَّ رجلًا قرأ عند عليٍّ ☺ : {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} فقال عليٌّ: وما شأن الطلح؟ إِنَّما هو «طلع منضود»، ثُمَّ قرأ: {طَلْعُها هَضِيمٌ}[الشعراء:148]، فقيل: إنَّها في المصحف بالحاء، أفلا نحوِّلُها؟ فقال: إنَّ القرآنَ لا يُهاجُ اليوم ولا يحوَّل، وعن الحسن: ليس الطلح بالموز، ولكنَّه شجرٌ له ظلٌّ بارد طيِّبٌ، وقال الفَرَّاء وأبو عبيدة: الطلح عند العرب شجرٌ عِظامٌ لها شوك، وقيل: هو شجر أمِّ غيلان، وله نُوار كثير، طيِّب الرائحة.
          قُلْت: وعلى كلِّ تقديرٍ في معنى (الطلح) ؛ فـ(المنضود) صفة، وليس باسم؛ ومعناه: متراكم قد نُضِد بالحمل من أسفله إلى أعلاه، فليست له ساق بارزة، وقال مسروق: أشجار الجنَّة من عروقها إلى أفنانِها ثمرٌ كلُّه.
          قوله: (والمَخْضُودُ) بالمعجَمتَينِ: صفة لـ(السِّدر) كما نطق به القرآن.
          (ص) و(العُرُبُ) المُحَبَّباتُ إلى أزْواجِهِنَّ.
          (ش) قد ذَكَر (العُرُب) عن قريب، وفسَّرها بقوله: (مُثقَّلة)، وقال: (واحدتها: عَروب)، وقد مرَّ الكلامُ فيه بما فيه الكفاية.
          (ص) ويُقالُ: {مسْكُوبٌ} جارٍ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {وَماءٍ مَسْكُوبٍ}[الواقعة:31]، وفسَّره بقوله: (جارٍ)، وأراد به أنَّهُ قويُّ الجَرْي، كأنَّه يُسكَب سكبًا. /
          (ص) {وفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ}[الواقعة:34] بعد قوله: {وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ. لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ}[الواقعة:32-33]، وقال أبو عُبَيدة: المَرْفُوعَةُ: العالية، يقال: بناءٌ مرفوعٌ؛ أي: عالٍ، وروى ابن حِبَّان والتِّرْمِذيُّ من حديث أبي سعيد الخُدْريِّ في قوله: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} قال: ارتفاعُها خمسُ مئة عامٍ.
          (ص) {لَغْوًا} باطِلًا، {تأثِيمًا} كَذِبًا.
          (ش) أشار إلى ما في قوله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا}[الواقعة:25]، وفسَّر (اللَّغْو) بـ(الباطل)، و(التَّأْثِيم) بـ(الكذب)، وكذا رواه الفِرْيابيُّ عن مجاهد.
          (ص) {أفْنان} أغْصانٌ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {ذَواتا أَفْنانٍ}[الرَّحْمَن:48]، وفسَّر (الأَفْنانَ) بـ(الأَغْصان)، وكذا فسَّره عِكْرِمَة، وفي «تفسير النَّسَفِيِّ»: الأفنان: جمع «فنٍّ»، وهو مِن قولهم: افتنَّ فلانٌ في حديثه؛ إذا أخذ في فنونٍ، وعن مجاهد: {أفنان} أغصان، واحدها: (فنَن)، وعن عِكْرِمَة: ظلُّ الأغصان على الحِيطان، وعن الحسن: {ذَواتا أَفْنانٍ} ذواتا ظِلال، وخصَّ (الأفنان) بالذكر؛ لأنَّها الغصنة التي تتشعَّب من فروع الشجرة؛ لأنَّها التي تُورِق وتُثمِر، فمنها تمتدُّ الظلال، ومنها تُجتَنى الثمارُ.
          (ص) {وَجَنَى الجَنَّتَيْنِ دانٍ} ما يُجْتَنى قَرِيبٌ مِنْها.
          (ش) أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الجَنَّتَيْنِ دانٍ}[الرَّحْمَن:54]، وفسَّر: {جَنَى}، بـ(ما يُجْتَنى)، و{دانٍ} بقوله: (قَرِيبٌ مِنْها)، وفي «تفسير النَّسَفِيِّ»: {وَجَنَى الجَنَّتَيْنِ} ثمرُها دانٍ قريب، ينالُه القائم والقاعد والنائم.
          (ص) {مُدْهامَّتانِ} سَوْداوانِ مِنَ الرِّيِّ.
          (ش) أشار به إلى ما في قوله تعالى: {وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ. فَبِأَيِّ آَلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. مُدْهامَّتانِ}[الرَّحْمَن:62-64] يعني: ومِن دونِ الجنَّتَين الأُولَيَيْن الموعودتَين، {وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ} أُخرَيانِ {مُدْهامَّتانِ}، وفسَّرها بقوله: (سَوْداوانِ مِنَ الرِّيِّ)، وكذا رُويَ عن مجاهدٍ، وفي «تفسير النَّسَفِيِّ»: {مُدْهامَّتانِ} ناعمتان سوداوتان مِن رِيِّهما وشدَّة خُضْرَتِهما؛ لأنَّ الخُضرةَ إذا اشتدَّت؛ قرُبتْ إلى السواد، و(الدُّهْمَة) السوادُ الغالب.