عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ذكر الملائكة
  
              

          ░6▒ (ص) باب ذِكْرِ المَلائِكَةِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في ذكر الملائكة، وهو جمع (مَلَك)، وقال ابن سِيدَه: هو مخفَّف عن «مَأْلك»؛ كـ«الشمائل» جمع «شَمْأَل»، وإلحاق التاء لتأنيث الجمع، وتُرِكَت الهمزةُ في المفرد؛ للاستثقال، وقال القزَّاز: هو مأخوذٌ مِن الألوكة؛ وهي الرسالة، وقيل: هو مأخوذٌ مِن المَلْك؛ بفتح الميم وسكون اللام، وهو الأخذ بقوَّةٍ، وقيل: مِن المِلك؛ بالكسر؛ لأنَّ اللهَ تعالى قد جعل لكلِّ مَلَكٍ مِلْكًا؛ فمِلْكُ مَلَك الموت قبضُ الأرواح، ومِلكُ إسرافيلَ الصُّورُ...، وكذا سائرهم، ويُفسِد هذا قولُهم: «ملائكة» بالهمز، ولا أصلَ له على هذا القول في الهمز، وقد جاء (المَلَك) جمعًا؛ كما في قوله تعالى: {والمَلَكُ عَلَى أَرْجائِها}[الحاقة:17]، والملائكة أجسامٌ لطيفةٌ هوائيَّةٌ تقدِرُ على التشكُّل بأشكالٍ مختلفةٍ، مسكنُها السماوات، ويقال: جوهرٌ بسيطٌ ذو نطقٍ وعقلٍ، مقدَّسٌ عن ظُلمة الشهوة وكُدورة الغضب، {لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ}[التحريم:6]، طعامُهمُ التسبيح، وشرابُهمُ التقديس، وأُنْسُهم بذكر الله تعالى، خُلِقوا على صورٍ مختلفةٍ وأقدارٍ متفاوتةٍ؛ لإصلاح مصنوعاتِه، وإسكان سماواته.
          (ص) قالَ أَنَسٌ: قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ لِلنَّبِيِّ صلعم : إنَّ جِبْرِيلَ ◙ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلائِكَةِ.
          (ش) هذا التعليق قطعةٌ مِن حديثٍ وصله البُخاريُّ في (كتاب الهجرة) عن مُحَمَّد بن سلام عن مروان بن معاوية، عن حميد، عن أنس، وسيأتي تحقيقُه هناك إن شاء الله تعالى.
          (ص) وقالَ ابنُ عَبَّاس: {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} المَلائِكَةُ.
          (ش) هذا التعليق رواه الطبرانيُّ مرفوعًا عن عائشة بلفظ: «ما في السماء الدنيا موضعُ قدمٍ إلَّا عليه ملكٌ ساجدٌ أو قائمٌ»، فذلك قوله: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}[الصافات:165]، وروى أيضًا عن مُحَمَّد بن سعدٍ: حدَّثني أبي قال: حدَّثني عمِّي قال: حدَّثني أبي عن أبيه عن ابن عَبَّاس بزيادة: «الملائكة صافُّون تسبِّح لله ╡ ».